طبيعة الإنسان التأثر والتأثير :
قرر الإسلام خطورة الرفقة الصالحة على الإنسان وتأثره بها، في الخير والشر،
وفي ذلك جاء الحديث عن رسول الله من ذلك ما جاء:
عن أبي مُوسَى الأشعري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ وَكِيرِ الْحَدَّادِ لَا يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أَوْ ثَوْبَكَ أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً"([1]).
قال النووي (ت676هـ) رحمه الله: "فِيهِ تَمْثِيله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَلِيس الصَّالِح بِحَامِلِ الْمِسْك, وَالْجَلِيس السُّوء بِنَافِخِ الْكِير. وَفِيهِ فَضِيلَة مُجَالَسَة الصَّالِحِينَ وَأَهْل الْخَيْر وَالْمُرُوءَة وَمَكَارِم الْأَخْلَاق وَالْوَرَع وَالْعِلْم وَالْأَدَب, وَالنَّهْي عَنْ مُجَالَسَة أَهْل الشَّرّ وَأَهْل الْبِدَع , وَمَنْ يَغْتَاب النَّاس, أَوْ يَكْثُر فُجْرُهُ وَبَطَالَته، وَنَحْو ذَلِكَ مِنْ الْأَنْوَاع الْمَذْمُومَة"اهـ([2]).
في الحديث السابق يشير إلى أهمية أن يختار المؤمن رفيقاً صالحاً يصاحبه ويرافقه لأنه سيتأثر به، ويفيض عليه من سيرته.
وهذا أمر قرره الإسلام قبل أن يقرره علماء الاجتماع الذين قالوا: "الإنسان أنسي بالطبع" بمعنى أنه يأتس لغيره من بني آدم، و يطلب أن يعيش بينهم، و لا يعيش وحيداً إلا لأمر خارج عن إرادته.
إياك وقرين السوء فإنك به تعرف([3]):
قال تعالى: }وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَاءَ قَرِيناً{ (النساء: من الآية38).
وقالوا: "الإنسان موسوم بسيما من يقارن ومنسوب إليه أفاعيل من صاحب".
وقال علي : "الصاحب مناسب ما شيء أدل على شيء ولا الدخان على النار من الصاحب على الصاحب".
وقال بعض الحكماء : "اعرف أخاك بأخيه قبلك".
وقال عدي:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قريــن بالمقــارن يقتـدي
ولعل بيئة المدرسة من أخطر البيئات تأثيراً على أولادنا بنين وبنات، وسأتكلم هنا عن ما يتعلق بالبنات، بصفتي طالبة تدرس في المرحلة المتوسطة([4])، وقد عشت مع زميلاتي مرحلتين دراسيتين : الابتدائية ومدتها ست سنوات، والمتوسطة ومدتها ثلاث سنوات، أنا فيها في السنة الثانية منها.
أسباب التأثر والتأثير:
لقد لاحظت من خلال دراستي أن التأثر والتأثير بين الطالبات في المدرسة يرجع إلى أسباب أجملها في النقاط التالية:
1)
شخصية الطالبة : أعني شخصيتها من جهة أنها من النوع الاجتماعي أو الانطوائي، أو هل هي من النوع المتزن أو المتهور في كلامها وحركاتها، ذاك الشيء الذي يحلي الإنسان فيشكل عنصر جذب وائتلاف بينه وبين غيره، وهو الذي أشار إليها – والله اعلم – الرسول في قوله فيما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ"([5]).
وقد أورد ابن حجر (ت852هـ) رحمه الله في شرحه سبباً للحديث ورد في روايته فِي مُسْنَد أَبِي يَعْلَى وَفِيهِ قِصَّة فِي أَوَّله عَنْ عَمْرَةَ بِنْت عَبْد الرَّحْمَن قَالَتْ: "كَانَتْ اِمْرَأَة مَزَّاحَة بِمَكَّة فَنَزَلَتْ عَلَى اِمْرَأَة مِثْلهَا فِي الْمَدِينَة , فَبَلَغَ ذَلِكَ عَائِشَة فَقَالَتْ : صَدَقَ حِبِّي , سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَذَكَرَ مِثْله([6]) .
وفي الحديث إِشَارَة إِلَى مَعْنَى التَّشَاكُل فِي الْخَيْر وَالشَّرّ وَالصَّلَاح وَالْفَسَاد, وَأَنَّ الْخَيِّرَ مِنْ النَّاس يَحِنّ إِلَى شَكْله وَالشِّرِّير نَظِير ذَلِكَ يَمِيل إِلَى نَظِيره فَتَعَارُف الْأَرْوَاح يَقَع بِحَسَبِ الطِّبَاع الَّتِي جُبِلَتْ عَلَيْهَا مِنْ خَيْر وَشَرّ , فَإِذَا اِتَّفَقَتْ تَعَارَفَتْ, وَإِذَا اِخْتَلَفَتْ تَنَاكَرَتْ.
وَقَوْله: "جُنُود مُجَنَّدَة" أَيْ أَجْنَاس مُجَنَّسَة أَوْ جُمُوع مُجَمَّعَة.
قَالَ اِبْن الْجَوْزِيّ (ت597هـ): "وَيُسْتَفَاد مِنْ هَذَا الْحَدِيث أَنَّ الْإِنْسَان إِذَا وَجَدَ مِنْ نَفْسه نُفْرَة مِمَّنْ لَهُ فَضِيلَة أَوْ صَلَاح فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْحَث عَنْ الْمُقْتَضِي لِذَلِكَ لِيَسْعَى فِي إِزَالَته حَتَّى يَتَخَلَّص مِنْ الْوَصْف الْمَذْمُوم, وَكَذَلِكَ الْقَوْل فِي عَكْسه".
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ (ت656هـ): "الْأَرْوَاح وَإِنْ اِتَّفَقَتْ فِي كَوْنهَا أَرْوَاحًا لَكِنَّهَا تَتَمَايَز بِأُمُورٍ مُخْتَلِفَة تَتَنَوَّع بِهَا, فَتَتَشَاكَل أَشْخَاص النَّوْع الْوَاحِد وَتَتَنَاسَب بِسَبَبِ مَا اِجْتَمَعَتْ فِيهِ مِنْ الْمَعْنَى الْخَاصّ لِذَلِكَ النَّوْع لِلْمُنَاسَبَةِ, وَلِذَلِكَ نُشَاهِد أَشْخَاص كُلّ نَوْع تَأْلَف نَوْعهَا وَتَنْفِر مِنْ مُخَالِفهَا، ثُمَّ إِنَّا نَجِد بَعْض أَشْخَاص النَّوْع الْوَاحِد يَتَآلَف وَبَعْضهَا يَتَنَافَر, وَذَلِكَ بِحَسَبِ الْأُمُور الَّتِي يَحْصُل الِاتِّفَاق وَالِانْفِرَاد بِسَبَبِهَا"([7]).
فهذا الحديث يشير إلى قضية الشخصية فإنها باب من أبواب التأثير بين الطالبات، حيث يحصل تآلف بين كل طالباتين شخصيتهما واحدة، مما يؤدي إلى تأثير متبادل بينهما.
وهنا يأتي دور المربيات الفاضلات في تنمية صفات الشخصية الجيدة المتميزة، وتهذيب الصفات الشخصية غير الجيدة لدى الطالبات، وعدم السماح بحصول تبادل للأخلاق وتجاذب بين طالبتين متشابهتين في مثل هذه الصفات.
2)
ومن الأسباب التي تساعد على حصول التأثير بين الطالبات : النشاط، وأقصد به ما يحصل في حصص النشاط من تجاذب بين الطالبات من خلال اشتراكهن في هواياتهن المحببة لهن، حيث يتشاركن في نشاط محبب، مما يساعد على تقاربهن، وبالتالي تجاذبهن وتأثرهن.
3)
ومن الأسباب : التفوق، فإن الطالبة المتفوقة تكون محل اهتمام وتأثير على الطالبات اللاتي يعجبن بتفوقها.
وهنا يأتي دور المربية الفاضلة كيف تحبب الطالبة المتفوقة إلى زميلاتها، ويأتي دور البيت كيف يرشد الطالبة إلى الاحتفال بالتفوق والنجاح المتميز بحيث يكون للطالبة المتفوقة نوع من الجاذبية، تساعد على التأثر بها، لكي يصبحن مثلها.
4)
ومن أسباب التأثر والتأثير : الجمال، حيث في العادة الفتيات يملن إلى مجالسة الفتاة الجميلة في صورتها، مما يؤدي إلى التأثر بها.
وعلى المربيات الفاضلات أن ينتبهن إلى هذا الجانب فيحرصن على أن تكون أمثال هؤلاء الفتيات تحت ملاحظتهن بالتوجيه والرعاية، لأنهن في العادة محل تأثر وتأثير بين زميلاتهن.
5
)ومن أسباب التأثر في المدرسة : المعلمة ، حيث إن حب الطالبات لمعلمتهن يدفعهن إلى التحلي بالأخلاق التي تحببهن إلى مدرستهن والتقرب إليها.
هذه الأسباب هي التي لاحظتها خلال دراستي يحصل من خلالها التأثر والتأثير بين الطالبات.
مظاهر التأثر والتأثير :
من الأمور المشاهدة في حصول التأثر والتأثير ما يمكن الانتباه إليها بأدنى نظر، ومنها ما لا يمكن أن تشاهده إلا عن تأمل وتدقيق.
وهذه المظاهر منها ما يكون إيجابياً ومنها ما يكون سلبياً.
وسأذكر هنا بعض المظاهر الدالة على حصول أثر الرفقة:
من مظاهر التأثر الصحبة والرفقة والمجالسة، أثناء الفسحة.
ومن مظاهر التأثر التشبه في اللباس .
ومن مظاهر التأثر المشابهة في طريقة الكلام.
ومن مظاهر التأثر المشابهة في الألفاظ المستعملة والعبارات.
ومن مظاهر التأثر محاولة التساوي في المستوى الدراسي.
ومن مظاهر التأثر اتخاذ نفس الصديقات والصاحبات.
ومن مظاهر التأثر محبة نفس أنواع الأكل.
ومن مظاهر التأثر اتحاد الهواية.
وقبل هذا جميعه يأتي المشابهة في الأخلاق.
وبعض هذه المظاهر يحتاج إلى تعليق، فأقول :
أن تأثير الرفقة على الطالبة من مظاهرة المصاحبة والرفقة أثناء الفسحة، حيث تجد الفتيات اللاتي بينهما تشابه يتصاحبن في الفسحة ويجلسن سوياً، وهذا مظهر مشاهد، يمكن للمربية المهتمة بشؤون الطالبات أن ترصده لتحدد اتجاه الطالبة وتحاول تقويمه.
ومن مظاهر التأثر التشبه في اللباس، حيث تجد الفتيات المتشابهات في أخلاقهن وطريقتهن يحرصن عن عمد أن يتشابه لباسهن.
والتأثر بالمشابهة في طريقة الكلام، حيث ترى الطالبة تتكلم بنفس طريقة صاحبتها التي تتأثر بها. ويعتبر هذا التأثر سلبياً إذا كان أسلوب الكلام الذي تأثرت به الطالبة من الأساليب المستهجنة.
ومن مظاهر التأثر المشابهة في الألفاظ المستعملة والعبارات، حيث تستعمل الطالبة نفس الألفاظ والعبارات التي تستعملها صديقتها، بل قد يتجاوز الأمر ذلك إلى الحديث عن الموضوعات نفسها التي تتحدث عنها زميلتها.
ومن مظاهر التأثر محاولة التساوي في المستوى الدراسي، وهذا الأمر يلاحظ أحياناً، ويكون ملمحاً سلبياً للتأثر إذا كان التأثر بمستوى ضعيف للطالبة.
ولعل أخطر جوانب التأثر المشابهة في الأخلاق، فإذا كانت هذه الأخلاق حسنة، فإن التأثر إيجابي، والعكس بالعكس.
سبحان الله و بحمده
قرر الإسلام خطورة الرفقة الصالحة على الإنسان وتأثره بها، في الخير والشر،
وفي ذلك جاء الحديث عن رسول الله من ذلك ما جاء:عن أبي مُوسَى الأشعري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ وَكِيرِ الْحَدَّادِ لَا يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أَوْ ثَوْبَكَ أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً"([1]).
قال النووي (ت676هـ) رحمه الله: "فِيهِ تَمْثِيله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَلِيس الصَّالِح بِحَامِلِ الْمِسْك, وَالْجَلِيس السُّوء بِنَافِخِ الْكِير. وَفِيهِ فَضِيلَة مُجَالَسَة الصَّالِحِينَ وَأَهْل الْخَيْر وَالْمُرُوءَة وَمَكَارِم الْأَخْلَاق وَالْوَرَع وَالْعِلْم وَالْأَدَب, وَالنَّهْي عَنْ مُجَالَسَة أَهْل الشَّرّ وَأَهْل الْبِدَع , وَمَنْ يَغْتَاب النَّاس, أَوْ يَكْثُر فُجْرُهُ وَبَطَالَته، وَنَحْو ذَلِكَ مِنْ الْأَنْوَاع الْمَذْمُومَة"اهـ([2]).
في الحديث السابق يشير إلى أهمية أن يختار المؤمن رفيقاً صالحاً يصاحبه ويرافقه لأنه سيتأثر به، ويفيض عليه من سيرته.
وهذا أمر قرره الإسلام قبل أن يقرره علماء الاجتماع الذين قالوا: "الإنسان أنسي بالطبع" بمعنى أنه يأتس لغيره من بني آدم، و يطلب أن يعيش بينهم، و لا يعيش وحيداً إلا لأمر خارج عن إرادته.
إياك وقرين السوء فإنك به تعرف([3]):
قال تعالى: }وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَاءَ قَرِيناً{ (النساء: من الآية38).
وقالوا: "الإنسان موسوم بسيما من يقارن ومنسوب إليه أفاعيل من صاحب".
وقال علي : "الصاحب مناسب ما شيء أدل على شيء ولا الدخان على النار من الصاحب على الصاحب".
وقال بعض الحكماء : "اعرف أخاك بأخيه قبلك".
وقال عدي:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قريــن بالمقــارن يقتـدي
ولعل بيئة المدرسة من أخطر البيئات تأثيراً على أولادنا بنين وبنات، وسأتكلم هنا عن ما يتعلق بالبنات، بصفتي طالبة تدرس في المرحلة المتوسطة([4])، وقد عشت مع زميلاتي مرحلتين دراسيتين : الابتدائية ومدتها ست سنوات، والمتوسطة ومدتها ثلاث سنوات، أنا فيها في السنة الثانية منها.
أسباب التأثر والتأثير:
لقد لاحظت من خلال دراستي أن التأثر والتأثير بين الطالبات في المدرسة يرجع إلى أسباب أجملها في النقاط التالية:
1)
شخصية الطالبة : أعني شخصيتها من جهة أنها من النوع الاجتماعي أو الانطوائي، أو هل هي من النوع المتزن أو المتهور في كلامها وحركاتها، ذاك الشيء الذي يحلي الإنسان فيشكل عنصر جذب وائتلاف بينه وبين غيره، وهو الذي أشار إليها – والله اعلم – الرسول في قوله فيما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ"([5]).وقد أورد ابن حجر (ت852هـ) رحمه الله في شرحه سبباً للحديث ورد في روايته فِي مُسْنَد أَبِي يَعْلَى وَفِيهِ قِصَّة فِي أَوَّله عَنْ عَمْرَةَ بِنْت عَبْد الرَّحْمَن قَالَتْ: "كَانَتْ اِمْرَأَة مَزَّاحَة بِمَكَّة فَنَزَلَتْ عَلَى اِمْرَأَة مِثْلهَا فِي الْمَدِينَة , فَبَلَغَ ذَلِكَ عَائِشَة فَقَالَتْ : صَدَقَ حِبِّي , سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَذَكَرَ مِثْله([6]) .
وفي الحديث إِشَارَة إِلَى مَعْنَى التَّشَاكُل فِي الْخَيْر وَالشَّرّ وَالصَّلَاح وَالْفَسَاد, وَأَنَّ الْخَيِّرَ مِنْ النَّاس يَحِنّ إِلَى شَكْله وَالشِّرِّير نَظِير ذَلِكَ يَمِيل إِلَى نَظِيره فَتَعَارُف الْأَرْوَاح يَقَع بِحَسَبِ الطِّبَاع الَّتِي جُبِلَتْ عَلَيْهَا مِنْ خَيْر وَشَرّ , فَإِذَا اِتَّفَقَتْ تَعَارَفَتْ, وَإِذَا اِخْتَلَفَتْ تَنَاكَرَتْ.
وَقَوْله: "جُنُود مُجَنَّدَة" أَيْ أَجْنَاس مُجَنَّسَة أَوْ جُمُوع مُجَمَّعَة.
قَالَ اِبْن الْجَوْزِيّ (ت597هـ): "وَيُسْتَفَاد مِنْ هَذَا الْحَدِيث أَنَّ الْإِنْسَان إِذَا وَجَدَ مِنْ نَفْسه نُفْرَة مِمَّنْ لَهُ فَضِيلَة أَوْ صَلَاح فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْحَث عَنْ الْمُقْتَضِي لِذَلِكَ لِيَسْعَى فِي إِزَالَته حَتَّى يَتَخَلَّص مِنْ الْوَصْف الْمَذْمُوم, وَكَذَلِكَ الْقَوْل فِي عَكْسه".
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ (ت656هـ): "الْأَرْوَاح وَإِنْ اِتَّفَقَتْ فِي كَوْنهَا أَرْوَاحًا لَكِنَّهَا تَتَمَايَز بِأُمُورٍ مُخْتَلِفَة تَتَنَوَّع بِهَا, فَتَتَشَاكَل أَشْخَاص النَّوْع الْوَاحِد وَتَتَنَاسَب بِسَبَبِ مَا اِجْتَمَعَتْ فِيهِ مِنْ الْمَعْنَى الْخَاصّ لِذَلِكَ النَّوْع لِلْمُنَاسَبَةِ, وَلِذَلِكَ نُشَاهِد أَشْخَاص كُلّ نَوْع تَأْلَف نَوْعهَا وَتَنْفِر مِنْ مُخَالِفهَا، ثُمَّ إِنَّا نَجِد بَعْض أَشْخَاص النَّوْع الْوَاحِد يَتَآلَف وَبَعْضهَا يَتَنَافَر, وَذَلِكَ بِحَسَبِ الْأُمُور الَّتِي يَحْصُل الِاتِّفَاق وَالِانْفِرَاد بِسَبَبِهَا"([7]).
فهذا الحديث يشير إلى قضية الشخصية فإنها باب من أبواب التأثير بين الطالبات، حيث يحصل تآلف بين كل طالباتين شخصيتهما واحدة، مما يؤدي إلى تأثير متبادل بينهما.
وهنا يأتي دور المربيات الفاضلات في تنمية صفات الشخصية الجيدة المتميزة، وتهذيب الصفات الشخصية غير الجيدة لدى الطالبات، وعدم السماح بحصول تبادل للأخلاق وتجاذب بين طالبتين متشابهتين في مثل هذه الصفات.
2)
ومن الأسباب التي تساعد على حصول التأثير بين الطالبات : النشاط، وأقصد به ما يحصل في حصص النشاط من تجاذب بين الطالبات من خلال اشتراكهن في هواياتهن المحببة لهن، حيث يتشاركن في نشاط محبب، مما يساعد على تقاربهن، وبالتالي تجاذبهن وتأثرهن.3)
ومن الأسباب : التفوق، فإن الطالبة المتفوقة تكون محل اهتمام وتأثير على الطالبات اللاتي يعجبن بتفوقها.وهنا يأتي دور المربية الفاضلة كيف تحبب الطالبة المتفوقة إلى زميلاتها، ويأتي دور البيت كيف يرشد الطالبة إلى الاحتفال بالتفوق والنجاح المتميز بحيث يكون للطالبة المتفوقة نوع من الجاذبية، تساعد على التأثر بها، لكي يصبحن مثلها.
4)
ومن أسباب التأثر والتأثير : الجمال، حيث في العادة الفتيات يملن إلى مجالسة الفتاة الجميلة في صورتها، مما يؤدي إلى التأثر بها.وعلى المربيات الفاضلات أن ينتبهن إلى هذا الجانب فيحرصن على أن تكون أمثال هؤلاء الفتيات تحت ملاحظتهن بالتوجيه والرعاية، لأنهن في العادة محل تأثر وتأثير بين زميلاتهن.
5
)ومن أسباب التأثر في المدرسة : المعلمة ، حيث إن حب الطالبات لمعلمتهن يدفعهن إلى التحلي بالأخلاق التي تحببهن إلى مدرستهن والتقرب إليها.هذه الأسباب هي التي لاحظتها خلال دراستي يحصل من خلالها التأثر والتأثير بين الطالبات.
مظاهر التأثر والتأثير :
من الأمور المشاهدة في حصول التأثر والتأثير ما يمكن الانتباه إليها بأدنى نظر، ومنها ما لا يمكن أن تشاهده إلا عن تأمل وتدقيق.
وهذه المظاهر منها ما يكون إيجابياً ومنها ما يكون سلبياً.
وسأذكر هنا بعض المظاهر الدالة على حصول أثر الرفقة:
من مظاهر التأثر الصحبة والرفقة والمجالسة، أثناء الفسحة.
ومن مظاهر التأثر التشبه في اللباس .
ومن مظاهر التأثر المشابهة في طريقة الكلام.
ومن مظاهر التأثر المشابهة في الألفاظ المستعملة والعبارات.
ومن مظاهر التأثر محاولة التساوي في المستوى الدراسي.
ومن مظاهر التأثر اتخاذ نفس الصديقات والصاحبات.
ومن مظاهر التأثر محبة نفس أنواع الأكل.
ومن مظاهر التأثر اتحاد الهواية.
وقبل هذا جميعه يأتي المشابهة في الأخلاق.
وبعض هذه المظاهر يحتاج إلى تعليق، فأقول :
أن تأثير الرفقة على الطالبة من مظاهرة المصاحبة والرفقة أثناء الفسحة، حيث تجد الفتيات اللاتي بينهما تشابه يتصاحبن في الفسحة ويجلسن سوياً، وهذا مظهر مشاهد، يمكن للمربية المهتمة بشؤون الطالبات أن ترصده لتحدد اتجاه الطالبة وتحاول تقويمه.
ومن مظاهر التأثر التشبه في اللباس، حيث تجد الفتيات المتشابهات في أخلاقهن وطريقتهن يحرصن عن عمد أن يتشابه لباسهن.
والتأثر بالمشابهة في طريقة الكلام، حيث ترى الطالبة تتكلم بنفس طريقة صاحبتها التي تتأثر بها. ويعتبر هذا التأثر سلبياً إذا كان أسلوب الكلام الذي تأثرت به الطالبة من الأساليب المستهجنة.
ومن مظاهر التأثر المشابهة في الألفاظ المستعملة والعبارات، حيث تستعمل الطالبة نفس الألفاظ والعبارات التي تستعملها صديقتها، بل قد يتجاوز الأمر ذلك إلى الحديث عن الموضوعات نفسها التي تتحدث عنها زميلتها.
ومن مظاهر التأثر محاولة التساوي في المستوى الدراسي، وهذا الأمر يلاحظ أحياناً، ويكون ملمحاً سلبياً للتأثر إذا كان التأثر بمستوى ضعيف للطالبة.
ولعل أخطر جوانب التأثر المشابهة في الأخلاق، فإذا كانت هذه الأخلاق حسنة، فإن التأثر إيجابي، والعكس بالعكس.