مقدمة
ورد الكذب في القرآن الكريم في أكثر من مائة موقع، وكله يدل على شناعة هذا الخلق الذميم، الذي نهى الله عنه سبحانه وتعالى، وابتعد عنه نبينا ورسولنا محمد ، فالكذب هو خلاف الحقيقة والكذب سلوك لفظي مغاير للصدق، يعمد الطفل من خلاله الى تغيير الحقائق وحث الآخرين على الإيمان بها على أنها حقيقة. وهو يكذب تحت تأثير الخوف من الكبار أو كتقليد لهم، طبعاً يهدف الطفل من خلال هذه المحاولة الى تبرير الأفعال والأقوال بما يتناسب مع غاياته ودوافعه ورغباته (منصور: محمد جميل، مشكلات الطفولة، 1984). إن الكذب هو إحدى الاستراتيجيات التي يستخدمها الطفل للحفاظ على احترامه لذاته إلا أنه ينبذ هذه الاستراتيجية عندما يكتسب القوة والثقة بالنفس. بيد أن بعض الأطفال يستمرون في ممارسة الكذب ويصبحون في نهاية الأمر غير قادرين على التمييز بينه وبين الصدق وقد يكون ذلك حالة خطيرة تستدعي اهتمام الأبوين حيث يجب البحث جديا عن سبب الكذب..
فقد يكون السبب ما يفرضه الراشدون على الطفل من مهمات.. أو قواعد معقدة جداً لا يستطيع الطفل تنفيذها بنجاح فيلجأ إلى الكذب.. وقد يشعر الطفل بعدم الأمان والأذى في المدرسة حيث يجد في القصص الكاذبة التي يؤلفها الطريقة الوحيدة للاحتفاظ بمركزه بين الآخرين فالكذب المناسب يحدد مدى قبول الآخرين له أو نبذهم للطفل الذي يكذب.
إن الطفل الذي يحمل زاداً وافراً من الحب والحنان والتشجيع والنجاح )أي الصفات التي ينشأ عنها احترام الذات( نادراً ما يحتاج إلى الكذب.
وقد يلجأ الطفل إلى نبذ معايير والديه عوضاً عن تبنيها إذا كانت علاقاته معهما مضطربة. وبهذا يكون كذبه شكلاً من أشكال عدم الاعتراف بما يريد الوالدان وقد يجبر بعض الأطفال على الكذب بسبب رغبة والديهما في الاطلاع الدائم والمستمر على أسرارهم وتفاصيل حياتهم وخاصة عندما يقترب هؤلاء الأطفال من مرحلة المراهقة. إنهم يرغبون في هذه الفترة باخفاء أسرارهم عن والديهم.
إن الكذب الذي هو تشويه للحقيقة لا يكون عند الطفل إلا بعد سن الثالثة، أما قبل ذلك فإن الطفل لا يكذب، ولكنه يخطيء فيمزج بين الحقيقة والخيال، لأن ملكة الخيال الخصب عنده تجعله لا يفرق بين الأمرين، فهو في هذا السن يروي الحكاية كما يود أن تحصل، لا كمال حصلت بالفعل، وهذه ملكة ضرورية لنبوغ القدرات الذهنية عند الطفل، وعلى الأبوين ألا يوبخا طفلهما أو يسخرا منه إذا سمعاه يروي قصة متخيلة، فهذا ليس الكذب بمفهومه الاجتماعي (المصري: نهاد، صحة الطفل، 1992).
أسباب الكذب:
يعتقد الكثير من الباحثين أن كذب الأطفال يعود إلى التأثر من الآباء والأخوة في البيت أول ما ينشأ لدى الطفل، وهو سلوك مكتسب وليس فطري، فلا يوجد طفل يولد كذابًا، وإنما يكتسب هذا الخلق الذميم من خلال ما يسمعه ممن حوله، ويهدف الآباء أو من حول الطفل إلى الكذب أمام الطفل بحجة دفعه إلى مستوى أفضل من السلوك، مما قد يكون سلكه، أو أن يؤثروا على الطفل عن طريق صورة مثلى للآباء تتصف بالدقة والحكمة، وقد يضطر الأب أو الأم إلى الكذب على الطفل، أو كونه منافقًا متلونًا في بعض الأحيان، وكثيرًا ما يتخيل الطفل والده على أنه بطل أو فارس مغوار، ويحاول بعض الآباء أن يعيش الصورة في خيال أطفاله ولكن الطفل لا يمكنه أن ينسى أبدًا منظر والده عندما يقفز هربًا من فوق سور عال هربًا من كلب أو قط كبير أو نحو ذلك (منصور: مشكلات الطفولة، مرجع سابق).
وقد يكذب الطفل بحكم ظروف مرحلة النمو التي يمرون بها، فالطفل أو المراهق قد يكذب رغبة في جذب الانتباه إليه. كما يحدث عندما يبالغ المراهق في ذكر مغامراته لأصدقائه وأنداده. كذلك من المعروف أن الطفل الصغير لا يستطيع أن يميز تمييزاً قاطعاً بين الحقيقة والخيال ويدفعه ذلك إلى الكذب، فالطفل الصغير يختلط عليه الأمر فلا يعرف الفرق بين ما حدث بالفعل وبين ما تخيله هو. فالقصص والأساطير الخيالية التي يسمعها الطفل الصغير تترجم في خياله إلى واقع ولذلك يراها تحدث أمامه يراها بعين الخيال كما لو كانت ماثلة أمامه فعلاً.
والمعروف أيضاً أن خيال الطفل قوي لدرجة تجعله أحياناً أقوى من الواقع نفسه. وإعطاء الطفل الفرصة لكي يخبر بنفسه الأشياء الحقيقية وتوسيع ذهنه بالمسائل العلمية يساعد في التمييز بين الحقيقة والخيال كذلك هناك بعض الأطفال الذين يميلون للكذب على سبيل اللعب أو لتأثير كذبهم على المستمعين أو الكذب بدافع الخوف أو الولاء وعلى الصفحات القادمة سوف نتناول نقاط هامة لهذا الموضوع.
وقد يكذب الطفل خوفًا من قول الحقيقة، ولكنه عندما يتأكد أنه لا خوف عليه لا يجد فائدة من الكذب، وأغلب أكاذيب الأطفال يثيرها الخوف، وفي غياب الخوف يختفي الكذب (منصور: المرجع السابق).
وإذا ما عجز الطفل أو المراهق عن مواجهة المشكلات التي تعترضه بصراحة واقتدار، فإن ذلك يدفعه إلى أساليب مختلفة من التكيف ويقصد بها إلى التخفيف من حدة التوتر الناتج عن الاحباط، ومنها الكذب، وتسمى بذلك الحيل الدفاعية، وهي نوع من تشويه الحقيقة، ويقصد الطفل بذلك تجنب حالات القلق وما يصاحبها من شعور بالاثم، وقد يكون الكذب على هيئة تبرير كأن يحضر الطفل للمدرسة متأخرًا فإذا سئل عن ذلك أجاب أن والدته قد فاتها أ، توقظه في الميعاد المناسب، أو أن الساعة المنبهة لم تدق في الصباح، وهكذا (مصطفى فهمي: الصحة النفسية، 1987).
أنواع الكذب:
تتعدد أنواع الكذب حسب الحالة التي تأثر بها الطفل بهذا الخلق، فمن أنواع الكذب، كذب التقليد، والكذب الخيالي، والكذب الإدعائي، والتعويضي، والمرضي، والغرضي، والأناني، والانتقامي، وغيرها من أنواع الكذب، وسوف أتناول بعض هذه الأنواع للتعريف بهذا الخلق السيء (مشكلات الطفولة، مرجع سابق).
إن قيام الطفل بالكذب في مرحلة ما قبل السادسة يعتبر من الأمور الطبيعية، والتي لا تعتبر مرضية إلى حد كبير، ويلاحظ أن اللعب الايهامي أو الخيالي وأحلام اليقظة والكذب في هذه المرحلة يزيد، حيث يطغى خياله على الحقيقة، ونجد أن الأطفال المولعين باللعب بالدمى والعرائس وتمثيل أدوار الكبار ويرى دميته التي يلعب بها رفيقه له يكلمها ويلاطفها ويثور عليها ويعتبر عصاه حصانًا يركبه، ويرى في القصص الخيالية واقعًا، ويكون خياله خصبا فياضا يملأ عن طريقه فجوات حديثه فتبدو كذبًا خياليًا (زهران: حامد عبدالسلام، علم نفس النمو والمراهقة، 1985).
ويعتبر السلوك العدواني أيًا كان شكله ونوعه من الخصائص الاجتماعية المميزة للأفراد المضطربين انفعاليًا، وقد يعتبر الكذب أهم سمة تميز سلوك الأفراد المضطربين انفعاليًا، لأنه من أشكال السلوك العدواني، وخاصة اللفظي منه، وبالتالي، فإن دراسة هذا النوع من السلوك بالنسبة للأطفال من الأمور المهمة للتعرف على المشكلات التي يعانوا منها ومن ثم العمل على علاجها وحلها (الروسان: فاروق، 2024).
وقد يكذب الطفل خوفًا من العقاب وقد يرجع سبب الكذب إلى المبالغة في عقاب الطفل على أخطاء بسيطة، أو قد يكذب ليحتفظ لنفسه بامتياز خاص يخاف أن يفقده إذا قال الصدق، والكذب الدفاعي هو أقل الأنواع شيوعًا، فالطفل يكذب عند ذهابه للمدرسة ولا يذهب ويدعي أن وسيلة المواصلات تأخرت عليه، أو تعطلت السيارة أو غير ذلك.. (محمد جميل، مرجع سابق).
علاج الكذب:
إن للأبوين تأثير عظيم في أولادهما ولا سيما في السنوات الأولى من العمر، حتى ليصل التأثير إلى تحويلهم عن الفطرة التي خلقهم الله عليها، والصدق من أخلاق المسلم الحميدة، التي اكتسبها من تعاليم دينه ومحاسن إسلامه، وهو في القول والعمل، فقد قال رسول الله عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقًا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابًا"، ويجب أن يكون الصدق في المعاملة والوعد والحال وغيرها من أنواع الصدق، ويجب علينا أن نعلم أبناءنا الصدق في كل شيء والابتعاد عن الكذب (احمد عطا وآخرون: تربية الطفل في الاسلام، 1421هـ).
سبق أن تناولنا بعض جوانب علاج الكذب، من خلال تبيان أنواعه، والذي يختلف العلاج في كل نوع من الأنواع السابقة، ويتم من خلال القضاء على السبب المؤدي لهذا النوع من الكذب أو السلوك الشائن، إضافة إلى ذلك يجب التنبه إلى ضرورة ما يلي:
ضرورة أن يقوم الآباء والمربين من المدرسين وغيرهم في التعرف والبحث عن الأسباب التي جعلت الأطفال يكذبون إما الخوف من العقاب أو أنه مكروه من جانب الأسرة مثل حالتنا السابقة أو أنه منبوذ أو مطرود كما في الحالة السابقة ويجب على الأسرة العمل على تحاشي هذه الأسباب وتعليم الطفل الصدق الذي يجلب له السعادة والرضا والعلاج السليم ليس في الضرب والعقاب ولكنه يتوفر في الحنان والعطف بقدر معقول وعن طريق الإقناع والقدوة الحسنة والمثال الطيب.
الدور التربوي للمعلم في مواجهة سلوك الكذب:
1. إشباع حاجات الطفل بقدر المستطاع والعمل على أن يوجه الطفل إلى الإيمان بقول الحق وتوجيه سلوكه نحو الأمور التي تقع في دائرة قدراته الطبيعية مما يجعله يشعر بالسعادة والهناء عكس تكليف الطفل بأعمال تفوق قدراته مما تؤدي إلى الفشل والإحباط والكذب.
2. أما علاج الأطفال الذين يميلون لسرد قصص غير واقعية فيأتي عن طريق إقناع الطفل بأنك ترى فعلاً في قصته قطة طريفة ولكنك بالطبع لا تفكر في قبولها أو تصديقها كحقيقة واقعية أفضل من العقاب البدني الشديد.
3. يجب أن يشعر الطفل بأن الصدق يجلب له النفع وأنه يخفف من وطأة العقاب في حالة الخطأ وأن الكذب يجب أن يقتنع الطفل بأنه يؤدي إلى فقدان الثقة بالنفس والحرمان وعدم احترام الآخرين له.
5. ضرورة أن يتم تلبية جميع الحاجات الخاصة بالنمو للطفل، مثل الحاجة إلى القبول من الكبار، كأن يحس الطفل سلوك الكبار مثل الآباء والمدرسين والمربين، حتى لو ارتكب خطأ أو سلك سلوكًا غير سليم، إضافة إلى الحاجة إلى القبول من الأقران ومشاركتهم بعض الأعمال والألعاب، والرغبة في اكتساب بعض المهارات والضبط والتحكم في غضبه وسلوكه وتصرفاته، من خلال تشجيع التعاون بين الأطفال وإكسابهم السلوك الذي يجعل كل منهم يتقبل الآخر (الصالح: محمد احمد، الطفل في الشريعة الاسلامية، 1403هـ).
سبحان الله و بحمده
مقدمة
ورد الكذب في القرآن الكريم في أكثر من مائة موقع، وكله يدل على شناعة هذا الخلق الذميم، الذي نهى الله عنه سبحانه وتعالى، وابتعد عنه نبينا ورسولنا محمد ، فالكذب هو خلاف الحقيقة والكذب سلوك لفظي مغاير للصدق، يعمد الطفل من خلاله الى تغيير الحقائق وحث الآخرين على الإيمان بها على أنها حقيقة. وهو يكذب تحت تأثير الخوف من الكبار أو كتقليد لهم، طبعاً يهدف الطفل من خلال هذه المحاولة الى تبرير الأفعال والأقوال بما يتناسب مع غاياته ودوافعه ورغباته (منصور: محمد جميل، مشكلات الطفولة، 1984). إن الكذب هو إحدى الاستراتيجيات التي يستخدمها الطفل للحفاظ على احترامه لذاته إلا أنه ينبذ هذه الاستراتيجية عندما يكتسب القوة والثقة بالنفس. بيد أن بعض الأطفال يستمرون في ممارسة الكذب ويصبحون في نهاية الأمر غير قادرين على التمييز بينه وبين الصدق وقد يكون ذلك حالة خطيرة تستدعي اهتمام الأبوين حيث يجب البحث جديا عن سبب الكذب..
فقد يكون السبب ما يفرضه الراشدون على الطفل من مهمات.. أو قواعد معقدة جداً لا يستطيع الطفل تنفيذها بنجاح فيلجأ إلى الكذب.. وقد يشعر الطفل بعدم الأمان والأذى في المدرسة حيث يجد في القصص الكاذبة التي يؤلفها الطريقة الوحيدة للاحتفاظ بمركزه بين الآخرين فالكذب المناسب يحدد مدى قبول الآخرين له أو نبذهم للطفل الذي يكذب.
إن الطفل الذي يحمل زاداً وافراً من الحب والحنان والتشجيع والنجاح )أي الصفات التي ينشأ عنها احترام الذات( نادراً ما يحتاج إلى الكذب.
وقد يلجأ الطفل إلى نبذ معايير والديه عوضاً عن تبنيها إذا كانت علاقاته معهما مضطربة. وبهذا يكون كذبه شكلاً من أشكال عدم الاعتراف بما يريد الوالدان وقد يجبر بعض الأطفال على الكذب بسبب رغبة والديهما في الاطلاع الدائم والمستمر على أسرارهم وتفاصيل حياتهم وخاصة عندما يقترب هؤلاء الأطفال من مرحلة المراهقة. إنهم يرغبون في هذه الفترة باخفاء أسرارهم عن والديهم.
إن الكذب الذي هو تشويه للحقيقة لا يكون عند الطفل إلا بعد سن الثالثة، أما قبل ذلك فإن الطفل لا يكذب، ولكنه يخطيء فيمزج بين الحقيقة والخيال، لأن ملكة الخيال الخصب عنده تجعله لا يفرق بين الأمرين، فهو في هذا السن يروي الحكاية كما يود أن تحصل، لا كمال حصلت بالفعل، وهذه ملكة ضرورية لنبوغ القدرات الذهنية عند الطفل، وعلى الأبوين ألا يوبخا طفلهما أو يسخرا منه إذا سمعاه يروي قصة متخيلة، فهذا ليس الكذب بمفهومه الاجتماعي (المصري: نهاد، صحة الطفل، 1992).
أسباب الكذب:
يعتقد الكثير من الباحثين أن كذب الأطفال يعود إلى التأثر من الآباء والأخوة في البيت أول ما ينشأ لدى الطفل، وهو سلوك مكتسب وليس فطري، فلا يوجد طفل يولد كذابًا، وإنما يكتسب هذا الخلق الذميم من خلال ما يسمعه ممن حوله، ويهدف الآباء أو من حول الطفل إلى الكذب أمام الطفل بحجة دفعه إلى مستوى أفضل من السلوك، مما قد يكون سلكه، أو أن يؤثروا على الطفل عن طريق صورة مثلى للآباء تتصف بالدقة والحكمة، وقد يضطر الأب أو الأم إلى الكذب على الطفل، أو كونه منافقًا متلونًا في بعض الأحيان، وكثيرًا ما يتخيل الطفل والده على أنه بطل أو فارس مغوار، ويحاول بعض الآباء أن يعيش الصورة في خيال أطفاله ولكن الطفل لا يمكنه أن ينسى أبدًا منظر والده عندما يقفز هربًا من فوق سور عال هربًا من كلب أو قط كبير أو نحو ذلك (منصور: مشكلات الطفولة، مرجع سابق).
وقد يكذب الطفل بحكم ظروف مرحلة النمو التي يمرون بها، فالطفل أو المراهق قد يكذب رغبة في جذب الانتباه إليه. كما يحدث عندما يبالغ المراهق في ذكر مغامراته لأصدقائه وأنداده. كذلك من المعروف أن الطفل الصغير لا يستطيع أن يميز تمييزاً قاطعاً بين الحقيقة والخيال ويدفعه ذلك إلى الكذب، فالطفل الصغير يختلط عليه الأمر فلا يعرف الفرق بين ما حدث بالفعل وبين ما تخيله هو. فالقصص والأساطير الخيالية التي يسمعها الطفل الصغير تترجم في خياله إلى واقع ولذلك يراها تحدث أمامه يراها بعين الخيال كما لو كانت ماثلة أمامه فعلاً.
والمعروف أيضاً أن خيال الطفل قوي لدرجة تجعله أحياناً أقوى من الواقع نفسه. وإعطاء الطفل الفرصة لكي يخبر بنفسه الأشياء الحقيقية وتوسيع ذهنه بالمسائل العلمية يساعد في التمييز بين الحقيقة والخيال كذلك هناك بعض الأطفال الذين يميلون للكذب على سبيل اللعب أو لتأثير كذبهم على المستمعين أو الكذب بدافع الخوف أو الولاء وعلى الصفحات القادمة سوف نتناول نقاط هامة لهذا الموضوع.
وقد يكذب الطفل خوفًا من قول الحقيقة، ولكنه عندما يتأكد أنه لا خوف عليه لا يجد فائدة من الكذب، وأغلب أكاذيب الأطفال يثيرها الخوف، وفي غياب الخوف يختفي الكذب (منصور: المرجع السابق).
وإذا ما عجز الطفل أو المراهق عن مواجهة المشكلات التي تعترضه بصراحة واقتدار، فإن ذلك يدفعه إلى أساليب مختلفة من التكيف ويقصد بها إلى التخفيف من حدة التوتر الناتج عن الاحباط، ومنها الكذب، وتسمى بذلك الحيل الدفاعية، وهي نوع من تشويه الحقيقة، ويقصد الطفل بذلك تجنب حالات القلق وما يصاحبها من شعور بالاثم، وقد يكون الكذب على هيئة تبرير كأن يحضر الطفل للمدرسة متأخرًا فإذا سئل عن ذلك أجاب أن والدته قد فاتها أ، توقظه في الميعاد المناسب، أو أن الساعة المنبهة لم تدق في الصباح، وهكذا (مصطفى فهمي: الصحة النفسية، 1987).
أنواع الكذب:
تتعدد أنواع الكذب حسب الحالة التي تأثر بها الطفل بهذا الخلق، فمن أنواع الكذب، كذب التقليد، والكذب الخيالي، والكذب الإدعائي، والتعويضي، والمرضي، والغرضي، والأناني، والانتقامي، وغيرها من أنواع الكذب، وسوف أتناول بعض هذه الأنواع للتعريف بهذا الخلق السيء (مشكلات الطفولة، مرجع سابق).
إن قيام الطفل بالكذب في مرحلة ما قبل السادسة يعتبر من الأمور الطبيعية، والتي لا تعتبر مرضية إلى حد كبير، ويلاحظ أن اللعب الايهامي أو الخيالي وأحلام اليقظة والكذب في هذه المرحلة يزيد، حيث يطغى خياله على الحقيقة، ونجد أن الأطفال المولعين باللعب بالدمى والعرائس وتمثيل أدوار الكبار ويرى دميته التي يلعب بها رفيقه له يكلمها ويلاطفها ويثور عليها ويعتبر عصاه حصانًا يركبه، ويرى في القصص الخيالية واقعًا، ويكون خياله خصبا فياضا يملأ عن طريقه فجوات حديثه فتبدو كذبًا خياليًا (زهران: حامد عبدالسلام، علم نفس النمو والمراهقة، 1985).
ويعتبر السلوك العدواني أيًا كان شكله ونوعه من الخصائص الاجتماعية المميزة للأفراد المضطربين انفعاليًا، وقد يعتبر الكذب أهم سمة تميز سلوك الأفراد المضطربين انفعاليًا، لأنه من أشكال السلوك العدواني، وخاصة اللفظي منه، وبالتالي، فإن دراسة هذا النوع من السلوك بالنسبة للأطفال من الأمور المهمة للتعرف على المشكلات التي يعانوا منها ومن ثم العمل على علاجها وحلها (الروسان: فاروق، 2024).
وقد يكذب الطفل خوفًا من العقاب وقد يرجع سبب الكذب إلى المبالغة في عقاب الطفل على أخطاء بسيطة، أو قد يكذب ليحتفظ لنفسه بامتياز خاص يخاف أن يفقده إذا قال الصدق، والكذب الدفاعي هو أقل الأنواع شيوعًا، فالطفل يكذب عند ذهابه للمدرسة ولا يذهب ويدعي أن وسيلة المواصلات تأخرت عليه، أو تعطلت السيارة أو غير ذلك.. (محمد جميل، مرجع سابق).
علاج الكذب:
إن للأبوين تأثير عظيم في أولادهما ولا سيما في السنوات الأولى من العمر، حتى ليصل التأثير إلى تحويلهم عن الفطرة التي خلقهم الله عليها، والصدق من أخلاق المسلم الحميدة، التي اكتسبها من تعاليم دينه ومحاسن إسلامه، وهو في القول والعمل، فقد قال رسول الله عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقًا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابًا"، ويجب أن يكون الصدق في المعاملة والوعد والحال وغيرها من أنواع الصدق، ويجب علينا أن نعلم أبناءنا الصدق في كل شيء والابتعاد عن الكذب (احمد عطا وآخرون: تربية الطفل في الاسلام، 1421هـ).
سبق أن تناولنا بعض جوانب علاج الكذب، من خلال تبيان أنواعه، والذي يختلف العلاج في كل نوع من الأنواع السابقة، ويتم من خلال القضاء على السبب المؤدي لهذا النوع من الكذب أو السلوك الشائن، إضافة إلى ذلك يجب التنبه إلى ضرورة ما يلي:
ضرورة أن يقوم الآباء والمربين من المدرسين وغيرهم في التعرف والبحث عن الأسباب التي جعلت الأطفال يكذبون إما الخوف من العقاب أو أنه مكروه من جانب الأسرة مثل حالتنا السابقة أو أنه منبوذ أو مطرود كما في الحالة السابقة ويجب على الأسرة العمل على تحاشي هذه الأسباب وتعليم الطفل الصدق الذي يجلب له السعادة والرضا والعلاج السليم ليس في الضرب والعقاب ولكنه يتوفر في الحنان والعطف بقدر معقول وعن طريق الإقناع والقدوة الحسنة والمثال الطيب.
الدور التربوي للمعلم في مواجهة سلوك الكذب:
1. إشباع حاجات الطفل بقدر المستطاع والعمل على أن يوجه الطفل إلى الإيمان بقول الحق وتوجيه سلوكه نحو الأمور التي تقع في دائرة قدراته الطبيعية مما يجعله يشعر بالسعادة والهناء عكس تكليف الطفل بأعمال تفوق قدراته مما تؤدي إلى الفشل والإحباط والكذب.
2. أما علاج الأطفال الذين يميلون لسرد قصص غير واقعية فيأتي عن طريق إقناع الطفل بأنك ترى فعلاً في قصته قطة طريفة ولكنك بالطبع لا تفكر في قبولها أو تصديقها كحقيقة واقعية أفضل من العقاب البدني الشديد.
3. يجب أن يشعر الطفل بأن الصدق يجلب له النفع وأنه يخفف من وطأة العقاب في حالة الخطأ وأن الكذب يجب أن يقتنع الطفل بأنه يؤدي إلى فقدان الثقة بالنفس والحرمان وعدم احترام الآخرين له.
5. ضرورة أن يتم تلبية جميع الحاجات الخاصة بالنمو للطفل، مثل الحاجة إلى القبول من الكبار، كأن يحس الطفل سلوك الكبار مثل الآباء والمدرسين والمربين، حتى لو ارتكب خطأ أو سلك سلوكًا غير سليم، إضافة إلى الحاجة إلى القبول من الأقران ومشاركتهم بعض الأعمال والألعاب، والرغبة في اكتساب بعض المهارات والضبط والتحكم في غضبه وسلوكه وتصرفاته، من خلال تشجيع التعاون بين الأطفال وإكسابهم السلوك الذي يجعل كل منهم يتقبل الآخر (الصالح: محمد احمد، الطفل في الشريعة الاسلامية، 1403هـ).