تخطى إلى المحتوى

معلم مثقف أم معلم ملقن؟

معلم مثقف أم معلم ملقن؟
ثمة فرق كبير بين المثقف والمتعلم, والمقصود بالمثقف هنا ليس كل من يطالع الكتب, بل كل من يمارس ما بها واقعاً في حياته. على أية حال، لن يكون الأمر معقداً ما دامت الفكرة حاضرة في ذهني وأتعايش معها يومياً. في البداية لا بد لكل معني أن يتساءل: ما هو الدور الرئيس للمعلم؟ متى يكون المعلم مثقفاً؟ ومتى يكون تقليديا؟ من الذي يحكم في هذا الشأن؟
فبما أنني معلم أرى أنه يجب أن يكون المعلم هو أول من يتساءل ويطرح هذا الموضوع. ولو سألني سائل عن سبب تشاؤمي لعللت ذلك وبكل بساطة بأن مدارسنا أصبحت لا تستقطب الفئات المميزة للعمل في ميدان التربية, فلا يهم إذا كان المعلم مثقفاً أو غير ذلك، ولكن من المهم أن تكون عنده القدرة على إدارة صفه بغض النظر عن الوسيلة التي يستخدمها لتحقيق ذلك. للأسف! فقد أصبح المقياس الذي يقاس به المعلم في مدارسنا اليوم خاطئاً. لقد أصبح المقياس كمياً وليس نوعياً. فمنذ متى أصبحت الكمية هي التي تحدد المستوى الثقافي للمعلم؟
أليس هذا إجحافاً بحق كل معلم مثقف، وبخاصة إذا كان هذا المعلم واسع الخيال، ويأتي بالكثير مما هو خارج المنهاج، وبالتالي يكون قد فاته قطار السرعة للوصول إلى نهاية المحطة (الوحدة)، لكي يستقل قطار الأنفاق السريع ولا تفوته استراحة الوحدة التالية، وينال إعجاب زملائه ومديره! كمدرس للغة الإنجليزية، لا أؤمن بالكم والكمية، وبخاصة أن مناهج اللغة الإنجليزية الجديدة طويلة وتحتاج إلى مدة أطول.
للأسف! فلقد وجد الكثير من المعلمين المعنيين أقصد (معلمي اللغة الإنجليزية) طول المنهاج حجة وشماعة يعلقون عليها كل حججهم التي يذهب ضحيتها الطالب. فمن وجهة نظري لا أرى أن طول المنهاج مشكلة إذا كان المعلم على درجة من الوعي والثقافة، ويجيد التعامل مع هذا المنهاج.
وبالعودة إلى موضوع الكم والكيف والجودة، فلقد أصبح حال بعض المعلمين من حال ربة البيت التي تكون منهمكة، بحيث يكون همها الوحيد هو إعداد وجبة الغداء قبل أن يعود أولادها من المدرسة. فمرة تكون الوجبة مالحة، ومرة تخلو من الملح، وذلك بسبب عجلة التحضير، ومن أجل أن تكون الوجبة جاهزة في موعدها. فهناك من المعلمين من هو على درجة عالية في السلق والطهي، بحيث لا يترك المجال لطلابه تذوق وجبته أو حتى إعطاءهم المجال لإبداء رأيهم والتعبير عنه بحرية. فعندما تم طرح مناهج اللغة الإنجليزية الجديدة لصفي العاشر والحادي عشر ثار المعلمون وغضبوا متذرعين تارة بطول المنهاج، وتارة بعدم ملاءمته لمستوى الطلاب. لا اتفق مع وجهات النظر هذه على الإطلاق، ليس لأنني خبير في وضع المناهج، بل لأنني لا أجيد الطهي والسلق، وذلك لأن طول المنهاج لا يعني لي شيئاً، ولا أؤمن بالكم، وإنما بالجودة والكيف. فهل درس المعلمون الموضوعات التي يتناولها المنهاج في الصفين الأنف ذكرهما؟ لا اعتقد ذلك، لأنه لو تم ذلك بالفعل لما تسرع هؤلاء المعلمون في إبداء وجهات نظرهم. فكيف لمعلم أن يدرس وحدة عن الديمقراطية باللغة الإنجليزية إذا لم يكن لديه القدرة على التحدث عنها بالعربية، وممارستها واقعاً في العملية التربوية. الحال نفسه عند المعلم الذي لا يطيق تدريس وحدة عن التكنولوجيا إذا لم تكن لديه القدرة على استخدام الحاسوب وتوظيفه مثلاً.
وكأن مهمة تدريس موضوع ما عن التكنولوجيا أو الحاسوب هي من تخصص معلم الحاسوب فقط! وما الضير في أن يكون لدى جميع المعلمين المقدرة على التعامل مع الحاسوب، وبالتالي إفادة طلابهم في هذا المجال. أعتقد أن التكنولوجيا فتحت الباب واسعاً أمام المعلمين لتطوير أساليبهم وقدراتهم التي تمكنهم من الخروج من دائرة الأساليب التقليدية.
وكمثال على وجهة نظري في هذا المجال، لا بد لي أن أتحدث عن تجربة شخصية مع منهاج اللغة الإنجليزية الجديد للصف الحادي عشر. فعندما وقع نظري على غلاف هذا الكتاب انشرح صدري، وغمرني شعور ممزوج بالفرحة عندما تصفحت عناوين الموضوعات التي يتضمنها، وبخاصة رواية سيلس مارنر، التي اعتبرها من أروع ما يتضمنه الكتاب. فهذه الرواية تشجع الطالب على التفكير والتحليق بعيداً في سماء الخيال الواسعة، وتعطيه المجال أيضاً في تكوين فكرة ووجهة نظر منفردة مبنية على النقد والتحليل والتساؤلات. فقبل فترة وجيزة دعت مديرية التربية في منطقتنا معلمي اللغة الإنجليزية الذين يدرسون منهاج الصف الحادي عشر الجديد إلى دورة لمدة ثلاثة أيام لمناقشة الرواية. وقد أصبت بخيبة أمل كبيرة عندما سمعت آراء المعلمين حول الرواية وجدوى تدريسها في المدارس. فمنهم من حكم عليها بعدم ملاءمتها للفئة العمرية المستهدفة، ومنهم من جاء إلى الدورة دون أن تكون لديه أدنى فكرة بأحداث الرواية وشخوصها، وكل ذلك في نطاق الأحاديث الجانبية وقبل الخوض بمناقشة الرواية.
وعندما بدأت فعاليات الدورة ظهر الإعياء واضحاً على وجوه بعض الحاضرين، وأخذوا ينظرون إلى ساعاتهم ويتهامسون. فمنهم من تمنى لو أنه بين عائلته ويتناول وجبة الغداء بدلاً من تضييع وقته في مناقشة أمور تافهة، ومنهم من ناقش مشكلاتهم الاجتماعية والاقتصادية، محدثين جواً من الفوضى. في أثناء ذلك كله، كنت من بين القليل ممن اهتموا بالمناقشة والحوار، وكان الأمر يعني ثلة من المعلمين فقط, ناهيك عن الإزعاج الذي أحدثه هؤلاء المعلمون. لقد كنت مهتماً كثيراً بمعرفة تفاصيل الرواية من شخوص وحبكة وأحداث وتحليلات إلى غير ذلك من الأمور، لكي أعود في اليوم التالي وأفيد طلابي بالأمور التي علقت في ذاكرتي من النقاش. ولقد رأيت الفرق بين مدى قابلية الطلاب لاستيعاب درس أو موضوع من القواعد (التي لم تتغير منذ أن بدأ هؤلاء الطلاب بتعلم الإنجليزية) وجزء من الرواية المعنية، لدرجة أن الطلاب كانوا متشوقين جداً لمعرفة ما هو جديد من أحداث في الرواية.
ولقد عملت استفتاء بين الطلاب كدليل على ما أقول، ووجدت أن معظمهم يفضل الرواية على القواعد والموضوعات الأخرى. وعندما سألتهم عن السبب كانت معظم الإجابات متقاربة وهي "أن المجال في الرواية أوسع، وأن الرواية تشجعهم على التعبير عما يجول بخاطرهم، وبكل حرية". وهذا يدفعني إلى التساؤل مجدداً: أليس هذا من حق طلابنا؟ ألا يحق لطلابنا أن يكونوا قادرين على تكوين آرائهم الشخصية بعيداً عن روتين المدرسة والتلقين؟ وكيف يحدث ذلك كله إذا لم يتوفر المعلم المثقف الواعي الذي يعامل طلابه بطريقة ديمقراطية، ويتيح لهم الحرية في التعبير عن آرائهم دون خوف أو قلق؟
إنني على ثقة بأن الطلاب يرتاحون كثيراً إلى المعلم المثقف الذي يسعى دائماً إلى تطوير نفسه، والذي يلجا إلى التنويع في أساليبه من حوار ونقاش ونقد بعيداً عن جو التسلط والدكتاتورية. فلو اتبع كل معلم الأساليب آنفة الذكر لتخلص من الكثير من المتاعب والمشاكل، علاوة على أنها تعمل على تقليل الفجوة بين المعلم والمتعلم.
لذلك أرى أن رواية سيلس مارنر فرصة نادرة، ويجب اغتنامها، لما للأدب من أثر إيجابي كبير على الطالب والمعلم. وأتمنى من واضعي مناهج اللغة الإنجليزية أن يعملوا على إدخال المزيد من الموضوعات التي تعمل بدورها على تعزيز أساليب الحوار والمناقشة، وبالتالي تنشئ جيلاً قادراً على الدفاع عن حقوقه بأساليب حضارية ومقنعة. وأتمنى كذلك من معلمي اللغة الإنجليزية في مدارسنا الابتعاد عن تحميل المسؤولية للطلاب في استيعابهم وقابلية فهمهم لتعلم اللغة الإنجليزية

سبحان الله و بحمده

الوسوم:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.