أخلاق الأطفال.. كيف تتكوّن؟
بسمة عُزبي فريحات – يقول جون ديوي: (التربية والأخلاق شيء واحد، ما دامت الثانية لا تخرج عن كونها انتقال الخبرة باستمرار من أمر سيء إلى آخر أحسن منه)، وهو ما يجعل النمو الأخلاقي الهدف الأسمى للعملية التربوية والمدرسية كلها.
تهدف التربية إلى الوصول بنا إلى حد الكمال ، سواء في الذكاء أو القدرات العقلية أو الشخصية، وإذا كان تحقيق هذا مستحيل لعدم تحديد معيار الكمال ودرجاته، فإن الهدف الأكثر خصوصية والممكن تحقيقه هو مساعدة الإنسان على تنمية شخصيته وعناصرها إلى الحد الذي يسمح به نضجه الجسدي واستعداداته الفيزيولوجية التي نشأ عليها، وبناء عليه فمن المتوقع لعملية التربية أن تكون صعبةً، بل لا بد من التسليم بأنها وسيلة معقدة تدخل في استخدامها وإعدادها جهات متعددة تبدأ بالأسرة الصغيرة وتنتهي بالمجتمع.
والعملية التربوية أخلاقية لأنها تتعامل مع الإنسان جسداً وروحاً ونفساً ، بحيث تضمن له أفضل استثمار لقدراته وإمكاناته إلى الحد الذي يشعره هو والمحيطين به بالرضى والسعادة.
تؤكد النظريات التربوية والنفسية المعاصرة على النزعة الفردية الذاتية لدى الناشئة أكثر مما تؤكد على النزعة الغيرية، وهي بذلك -تقريباً- تنحّي جانباً مهماً من جوانب الإنسان، والمتمثل في الأخلاق، باعتباره يمثل الأنا الأعلى أو الضمير الذي يحكم كل سلوك يقوم به ويضبطه.
ويبدو أن تنحّي الأخلاق ودورها في تنمية المجتمع الإنساني ككل في هذه النظريات إنما يعكس جوانب ذاتية في شخصية المنظرين أنفسهم، كما تعكس البيئات التي عاشوا فيها، والتي حكمتهم بمعاييرها ومحكّاتها المختلفة التي تؤكد النزعة للتملك وللمكاسب المادية والمصالح أياً كانت الطريقة المتبعة، وفي ضوء (الغاية تبرر الوسيلة).
لذلك فإن التربية الأخلاقية تبدو عملية صعبة شاقة تتطلب منظرين أكفاء ومنفذين قادرين على غرسها في نفوس النشء، متجاوزين الذاتية والسيطرة و المصالح.
إن مراجعة يسيرة للأسس التربوية السائدة في معظم دولنا العربية تبين ميلنا لتقليد معايير المجتمعات الأخرى الأقوى والأكثر سيطرة على العالم، متناسين غياب المعايير الأخلاقية فيها أو على الأقل ندرة الاعتماد عليها، ومتناسين أن هذه الأسس التربوية تتفق وطبيعة هذه المجتمعات ولكنها لا تتفق كثيراً مع طبيعة مجتمعاتنا وما تحث عليه من التوازن بين الذاتية والغيرية انطلاقاً من مبدأ (لا ضرر ولا ضرار).
ولا شك أن هذا يعني بشكل أو بآخر أن التربويين والنفسيين تناط بهم مهمة وضع أسس تربوية خاصة تعتمد من ناحية على تراثهم الثري في هذا الميدان وتستند من ناحية أخرى على الاستفادة مما هو جارٍ في عالمنا المعاصر، على أن نأخذ منه السمين ونترك الغث، ويمكن القول بأن تحقيقنا لهذه المهمة وتنفيذنا لها إنما يتطلب منا الوقوف على بعض المسائل المتعارف عليها في التربية وعلم النفس والكامنة وراء ظهور سلوك الأفراد.
كثيراً ما طرحت أسئلة حول موروثية الأخلاق واكتسابها، وكثيراً ما أتت الإجابات مؤيدة لهذا الجانب أو ذاك، دون أن تصل إلى حد يفصل في ذلك، إلا أن واقع الحال يبين أن الأخلاق عملية مكتسبة أكثر منها موروثة؛ فهي لا تنتقل من الآباء إلى الأبناء كما تنتقل الصفات الجسمية؛ فالطفل يولد في أساسه على الفطرة، وهذه الفطرة فطرة خيرة سليمة تميل نحو مكارم الأخلاق، أكثر منها فطرة شريرة، وإن كان يبدو أن الجانبين موجودان معاً، إذ يندر لطفل ينشأ في وسط تربوي سيء أن يبقى ذا أخلاق حسنة، كذلك يندر أن يغدو ذا أخلاق ذميمة إذا نشأ في جو تربوي طيب يتمتع بمكارم الأخلاق.
ومع ذلك لا يمكن انكار دور العوامل البيولوجية نهائيا، إذ يمكن أن تورث استعداداً لأن يكون الفرد على خلق معين لتأتي التربية فتنميه أو تنحيه، وهذا يعني أن الأخلاق لا تُورث، بل تُورث تركيبة عصبية فيزيولوجية معينة قابلة للمطاوعة والتأثر إيجاباً وسلباً.
من ذلك يبدو أن تعليم الأخلاق يبدأ في مرحلة الطفولة ويرتبط تماماً بأساليب التنشئة الاجتماعية، وما يرافقها من تقنيات وأساليب يتعرض لها الطفل أثناء قيامه بسلوكيات مقبولة أو غير مقبولة. إنه بلا شك يكتسب الضمير أو الأنا الأعلى الذي يتحلى به الآباء، ومعاييرهم في الحكم على الصح والخطأ؛ لذا لا يكون من المستغرب اختلاف المعايير الأخلاقية وشدتها من أسرة إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر.
والسؤال المهم يبقى عن الطريقة التي يتعلم بها الطفل الضمير أو الأخلاق من خلال عملية التنشئة الاجتماعية، كما تبقى الإجابة عن هذا السؤال محصورة في اتباع عدة أساليب مستقلة ومتتابعة ومتداخلة في آن واحد، دون الاعتماد على أسلوب وترك غيره؛ لأن التكامل فيما بينها قائم أساساً، ولأن أحدها قد يؤدي إلى الآخر.
سبحان الله و بحمده
تهدف التربية إلى الوصول بنا إلى حد الكمال ، سواء في الذكاء أو القدرات العقلية أو الشخصية، وإذا كان تحقيق هذا مستحيل لعدم تحديد معيار الكمال ودرجاته، فإن الهدف الأكثر خصوصية والممكن تحقيقه هو مساعدة الإنسان على تنمية شخصيته وعناصرها إلى الحد الذي يسمح به نضجه الجسدي واستعداداته الفيزيولوجية التي نشأ عليها، وبناء عليه فمن المتوقع لعملية التربية أن تكون صعبةً، بل لا بد من التسليم بأنها وسيلة معقدة تدخل في استخدامها وإعدادها جهات متعددة تبدأ بالأسرة الصغيرة وتنتهي بالمجتمع.
والعملية التربوية أخلاقية لأنها تتعامل مع الإنسان جسداً وروحاً ونفساً ، بحيث تضمن له أفضل استثمار لقدراته وإمكاناته إلى الحد الذي يشعره هو والمحيطين به بالرضى والسعادة.
تؤكد النظريات التربوية والنفسية المعاصرة على النزعة الفردية الذاتية لدى الناشئة أكثر مما تؤكد على النزعة الغيرية، وهي بذلك -تقريباً- تنحّي جانباً مهماً من جوانب الإنسان، والمتمثل في الأخلاق، باعتباره يمثل الأنا الأعلى أو الضمير الذي يحكم كل سلوك يقوم به ويضبطه.
ويبدو أن تنحّي الأخلاق ودورها في تنمية المجتمع الإنساني ككل في هذه النظريات إنما يعكس جوانب ذاتية في شخصية المنظرين أنفسهم، كما تعكس البيئات التي عاشوا فيها، والتي حكمتهم بمعاييرها ومحكّاتها المختلفة التي تؤكد النزعة للتملك وللمكاسب المادية والمصالح أياً كانت الطريقة المتبعة، وفي ضوء (الغاية تبرر الوسيلة).
لذلك فإن التربية الأخلاقية تبدو عملية صعبة شاقة تتطلب منظرين أكفاء ومنفذين قادرين على غرسها في نفوس النشء، متجاوزين الذاتية والسيطرة و المصالح.
إن مراجعة يسيرة للأسس التربوية السائدة في معظم دولنا العربية تبين ميلنا لتقليد معايير المجتمعات الأخرى الأقوى والأكثر سيطرة على العالم، متناسين غياب المعايير الأخلاقية فيها أو على الأقل ندرة الاعتماد عليها، ومتناسين أن هذه الأسس التربوية تتفق وطبيعة هذه المجتمعات ولكنها لا تتفق كثيراً مع طبيعة مجتمعاتنا وما تحث عليه من التوازن بين الذاتية والغيرية انطلاقاً من مبدأ (لا ضرر ولا ضرار).
ولا شك أن هذا يعني بشكل أو بآخر أن التربويين والنفسيين تناط بهم مهمة وضع أسس تربوية خاصة تعتمد من ناحية على تراثهم الثري في هذا الميدان وتستند من ناحية أخرى على الاستفادة مما هو جارٍ في عالمنا المعاصر، على أن نأخذ منه السمين ونترك الغث، ويمكن القول بأن تحقيقنا لهذه المهمة وتنفيذنا لها إنما يتطلب منا الوقوف على بعض المسائل المتعارف عليها في التربية وعلم النفس والكامنة وراء ظهور سلوك الأفراد.
كثيراً ما طرحت أسئلة حول موروثية الأخلاق واكتسابها، وكثيراً ما أتت الإجابات مؤيدة لهذا الجانب أو ذاك، دون أن تصل إلى حد يفصل في ذلك، إلا أن واقع الحال يبين أن الأخلاق عملية مكتسبة أكثر منها موروثة؛ فهي لا تنتقل من الآباء إلى الأبناء كما تنتقل الصفات الجسمية؛ فالطفل يولد في أساسه على الفطرة، وهذه الفطرة فطرة خيرة سليمة تميل نحو مكارم الأخلاق، أكثر منها فطرة شريرة، وإن كان يبدو أن الجانبين موجودان معاً، إذ يندر لطفل ينشأ في وسط تربوي سيء أن يبقى ذا أخلاق حسنة، كذلك يندر أن يغدو ذا أخلاق ذميمة إذا نشأ في جو تربوي طيب يتمتع بمكارم الأخلاق.
ومع ذلك لا يمكن انكار دور العوامل البيولوجية نهائيا، إذ يمكن أن تورث استعداداً لأن يكون الفرد على خلق معين لتأتي التربية فتنميه أو تنحيه، وهذا يعني أن الأخلاق لا تُورث، بل تُورث تركيبة عصبية فيزيولوجية معينة قابلة للمطاوعة والتأثر إيجاباً وسلباً.
من ذلك يبدو أن تعليم الأخلاق يبدأ في مرحلة الطفولة ويرتبط تماماً بأساليب التنشئة الاجتماعية، وما يرافقها من تقنيات وأساليب يتعرض لها الطفل أثناء قيامه بسلوكيات مقبولة أو غير مقبولة. إنه بلا شك يكتسب الضمير أو الأنا الأعلى الذي يتحلى به الآباء، ومعاييرهم في الحكم على الصح والخطأ؛ لذا لا يكون من المستغرب اختلاف المعايير الأخلاقية وشدتها من أسرة إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر.
والسؤال المهم يبقى عن الطريقة التي يتعلم بها الطفل الضمير أو الأخلاق من خلال عملية التنشئة الاجتماعية، كما تبقى الإجابة عن هذا السؤال محصورة في اتباع عدة أساليب مستقلة ومتتابعة ومتداخلة في آن واحد، دون الاعتماد على أسلوب وترك غيره؛ لأن التكامل فيما بينها قائم أساساً، ولأن أحدها قد يؤدي إلى الآخر.