تعد اللغة من أهم الخصائص التي اختص الله بها الإنسان ليفرده ويميزه عن غيره من سائر المخلوقات، وهي ظاهرة اجتماعية، ووسيلة هامة
من وسائل الاتصال الإنساني. ويعتبر الكلام أحد المظاهر الخارجية للغة، والذي يصدر عن الفرد من خلال أقوال منطوقة أو مكتوبة. وهو
أداة أساسية لبناء الشخصية، وأداة للاستقلال، وأداة لتوسيع دائرة التعامل مع الآخرين.
ويعدّ التلعثم من أكثر اضطرابات النطق والكلام شيوعًا، وهو عبارة عن اضطرابات أو خلل في إيقاع الكلام، يتميز بالترددات والانسدادات والإعادة
والتكرير والإطالة في الأصوات والكلمات، أو في المقاطع الصوتية بصورة لاإرادية. وعادة ما يكون ذلك مصحوبًا بمجاهدة المتلعثم لإطلاق
سراح لسانه، وباضطراب نشاطه الحركي وتوتره العضلي. ويبدو ذلك من خلال ارتجاف الشفتين، وارتعاش الفك ورموش العينين
وجفونهما، ورفع الأكتاف وتحريك الذراعين، إضافة إلى اضطراب عملية التنفس وعدم انتظامها
وقد أشار «كراج» (Craig1990) إلى أن المتلعثمين لديهم مستوى عال من الخوف والقلق، ويكون الخوف والقلق في المواقف الكلامية الملحة، وينتهي بانتهاء الموقف.
ويرى الباحث أن التلعثم ينتشر في الأماكن التي يكون فيها الفرد غير قادر على مسايرة ما حوله بالصورة التي ترضيه سواء كان ذلك
أسريًا أو اجتماعيًا. وكلما زاد القلق والتوتر وعدم الأمان النفسي وانعدام الثقة بالنفس وفق قدرة الفرد على مواجهة
المواقف المختلفة التي يتعرض لها في حياته، كان هناك تلعثم بنسبة معينة قد تزيد وقد تنقص.
علاج التلعثم:
نظرًا لتباين واختلاف النظريات التي تحاول شرح أسباب التلعثم فقد تباينت الأساليب المتبعة في العلاج تبعًا
لاختلاف الإطار النظري الذي تعتمد عليه كل طريقة. ومن تلك الأساليب:
العلاج النفسي:
ومن طرقه:
–العلاج عن طريق الإرشاد:
وذلك بإعطاء المتلعثم مجموعة من الإرشادات تتلخص في أنه يجب عليه أن يتوقف عن التلعثم، وأنه لابد أن يتحكم في كلامه، وأن عليه أن
يركز تفكيره في ذلك، إلى جانب إرشاد الوالدين إلى ضرورة إتاحة الوقت للمتلعثم ليعبر عن نفسه دون ضغط وتشجيعه على الكلام.
–العلاج بالإيحاء والإقناع:
وذلك بأن توجه للمتلعثم عملية الإيحاء والإقناع لتلافي الشعور بالنقص والخوف من الكلام لما قد يتعرض له من خيبة أو خجل
من خلال بيئته الاجتماعية وإقناعه بأنه بريء من أية علة تشريحية أو وظيفية تعوقه عن الكلام.
– العلاج عن طريق الاسترخاء:
تقوم هذه الطريقة على أساس أن التلعثم ينتج من زيادة الضغط على الجهاز العصبي للفرد، ويتم الاسترخاء بطريقة النوم إذ يعتبر إجراء وقائيًا
وعلاجيًا لراحة الجهاز العصبي. وهناك طريقة العلاج بحمامات الماء الدافئ كإحدى طرق العلاج الطبيعي، حيث يتم علاج التوتر العصبي
للعضلات عن طريق حمامات الماء الدافئ والمساج بغرض الوصول لاسترخاء العضلات.
العلاج عن طريق صدى الصوت:
ويتم باستخدام صدى الصوت، عن طريق وضع سماعات على الأذن أثناء كلام المتلعثم، وفي الوقت نفسه يسمع صوتًا آخر (أي صوت).
والغرض من هذا هو عدم سماع المتلعثم لنفسه أثناء الحديث، وبالتالي لن يشعر بأحاسيس الخوف والفشل المصاحبة للتلعثم.
العلاج الجراحي:
في فترة من الفترات انتشر العلاج الجراحي للتلعثم، ففي بعض الأحيان يتم كيّ اللسان،أو قطع العصب المغذي له، أو قطع إحدى العضلات
الخارجية له، وذلك للتقليل من توتر عضلات اللسان المصاحب للعثرات. وفي بعض الأحيان يتم استئصال اللوزتين، وتعتبر هذه الطريقة العلاجية من الوسائل البدائية التي لا أساس لها من الصحة.
العلاج بالصدمات الكهربائية:
وقد استخدم منذ فترة بعيدة نسبيًا، وثبت فشله تمامًا،حيث إن التلعثم لا يكون مصحوبًا بأي إصابة عضوية في عضلات الكلام، والعكس
هو الصحيح. فالمتلعثم يستخدم العضلات المسؤولة عن الكلام بشدة واضحة،.
العلاج بالعقاقير الطبية:
هناك محاولات عديدة لعلاج التلعثم عن طريق العقاقير الطبية كالمهدئات والفيتامينات مثل فيتامين ب6، وذكر عكاشة (1975م)
أن نسبة عالية من المتلعثمين يعانون من شذوذ في رسم المخ، وأنه لا مانع في بعض الأحيان من استخدام العقاقير المضادة للصرع.
العلاج الجماعي:
ويستخدم على نطاق واسع في علاج المتلعثمين الصغار والكبار. ذلك أن المتلعثم في العلاج الجماعي يرى غيره ممن يعانون نفس
أعراض التلعثم (من صعوبة في الكلام وارتعاش الشفاه وغيرها) فيشعر بأنه ليس الشاذ الوحيد في هذا المرض، بل إن كثيرين غيره
يعانون نفس الحالة، مما يخلق جوًّا من المشاركة الوجدانية بين المتلعثمين. كما أن أي تقدم في العلاج لأحدهم يدفع بالآخرين للتنافس
وازدياد الفرص الواقعية للشفاء. وقد استخدم الباحث هذا الأسلوب في تقديم جلسات البرنامج الإرشادي المقدم في هذه الدراسة.
ومن وسائله: العلاج بالسيكودراما Psychodrama ، حيث يستخدم التمثيل كوسيلة أدائية تجمع بين الإسقاط والتنفيس
الانفعالي، وهي عبارة عن تصوير مسرحي وتعبير لفظي حر وتنفيس انفعالي تلقائي .
العلاج البيئي:
ويقصد به دمج المتلعثم في نشاطات اجتماعية وجماعية تدريجيًا حتى يتدرب على الأخذ والعطاء، وتتاح له فرصة التفاعل الاجتماعي وتنمو
شخصيته، وينتفي لديه الخجل والانطواء والانسحاب الاجتماعي، ويتضمن العلاج البيئي الإرشاد الأسري حول الأسلوب الأمثل للتعامل، وتجنب
إجبار المتلعثم على الكلام تحت ضغوط انفعالية وفي مواقف غير مناسبة ومخيفة له، كالطلب منه التحدث أثناء وجود أشخاص غرباء.
العلاج الكلامي: ومن طرقه:
– الاسترخاء الكلامي:
ويستخدم كوسيلة لخفض التوتر ومن ثم انطلاق الكلام. وينصب هنا الاهتمام حول خفض الشعور بالاضطراب والتوتر أثناء الكلام. وإيجاد
ارتباط بين الشعور بالراحة والسهولة عن طريق قراءة الأحرف والكلمات والجمل ببطء وبكل هدوء واسترخاء.
– الكلام الإيقاعي:
يمكن استخدام هذه الطريقة مع جهاز يسمى «المتروتوم» إذ يقوم المتلعثم بتقسيم الكلمة إلى مقاطعها، وبتطبيق كل مقطع مع دقة من دقات الجهاز، مما يؤدي إلى اختفاء العثرات أثناء الكلام
– النطق بالمضغ:
وضع هذه الطريقة «فروشيز»، وهي أن يتعلم المتلعثم التكلم بطلاقة عن طريق القيام بحركات المضغ مقترنة بالكلام، ثم يقلل تدريجيًا نشاط المضغ. وفي النهاية يتخيل نفسه فقط أنه يمضغ.
– الممارسة السلبية:
وتقوم على تكرار الفعل غير المرغوب فيه عدة مرات، إلى حد شعور المريض بالتعب والإرهاق، حتى ينتج عن ذلك درجة عالية من القمع أو المنع كرد فعل معاكس
–التغذية السمعية المتأخرة:
أوضح «وينجيت» أن استخدام تأخير التغذية السمعية المرتدة عن طريق جهاز إلكتروني يوضع في الأذن يؤدي إلى تحسين التلعثم، بسبب البطء في الكلام والإطالة في الأصوات المتحركة.
– العلاج بالتظليل:
وهو عبارة عن نقل ومحاكاة وتقليد لما يقوله المعالج، حيث يطلب فيه من المتلعثم أن يعيد قراءة ما تم الانتهاء من قراءته له بعد سماعه
مباشرة وبفارق زمني يقدر بجزء من الثانية. ويشترط ألا يكون لدى المتلعثم فكرة مسبقة عن مضمون القطعة التي استمع
إليها، وتتم القراءة بالسرعة العادية بحيث لا تتعدى كلمة أو كلمتين (على الأكثر) في الثانية.
ويستخدم هذا العلاج بالاستناد إلى الافتراض الذي يؤكد أن عملية الكلام وإخراج الحروف تشتمل على دائرة مغلقة للتغذية الراجعة السمعية
التي يراقب فيها المتكلم صوته ويصححه من خلالها، ويحدث التلعثم عادة عندما تتأخر عملية التغذية الراجعة فتحدث تكرارات للأصوات والمقاطع
بصورة لا إرادية. وقد استخدم هذا الأسلوب بهدف التدخل في سير عملية التغذية الراجعة، وترتب على ذلك التحسن في عملية التلعثم.
البرنامج الإرشادي المقترح:
الجلسة الأولى:
–إجراء التعارف بين المرشد والطلاب المعنيين.
– العمل على بناء علاقة إيجابية، وتوفير جو من الألفة والطمأنينة بين الطلاب.
– التعريف باضطرابات الكلام ومفهوم القلق النفسي ومظاهره.
– وضع الطالب المعني تحت المجهر وذلك عن طريق:ملاحظة الطلاب لحالة الشد في العضلات، متابعة مسار الهواء، مراقبة نظر العين، تحديد
الأمور التي يفكر بها، تمييز الأصوات التي تصدر عنه، معرفة الحركات غير العادية.
كما يتم في هذه الجلسة التدريب على تأكيد الذات، وتقوم على أن استجابة تأكيد الذات واستجابة القلق (وهما استجابتان متضادتان) يمكن أن تكف إحداهما
الأخرى، حيث يمكن لاستجابة تأكيد الذات أن تكف استجابة القلق. فاستجابة تأكيد الذات تنمي لدى الفرد الثقة والاعتماد على النفس، وتحمل المسؤولية
والسيطرة على الذات وإبداء الرأي، والمناقشة بمنطق ومعقولية. وقد أكد «سالتر» أنه يمكن التخلص من حالات القلق بواسطة التدريب على تأكيد الذات، حيث
يتم إعادة التركيب المعرفي لدى الفرد، وذلك بواسطة التدليل على عدم عقلانية سلوك القلق من التلعثم .
ومع تكرار تأكيد الذات يتعلم المتلعثمون أن يعبروا عن مشاعرهم بوضوح دون قلق أو خوف، ويعرض كل فرد تجربته مع التلعثم بحرية ودون
خوف أو حرج، ويسمح للآخرين التعليق على ما يقوله زميلهم. والهدف من ذلك إيجاد نوع من التغذية الراجعة لدى كل فرد عن طريق الاستماع إلى غيره ورؤيته له.
الجلسة الثانية:
–إكساب المتلعثمين فضيلة قراءة القرآن الكريم، بعد بيان فوائد تلاوة القرآن الكريم وآثارها في هدوء النفس واطمئنان القلب وانبعاث السكينة.
– تشجيعهم على الدعاء والاستغفار لما في الدعاء من آثار عظيمة في تحصيل الثواب، واطمئنان النفس، والتنفيس عن القلب، والتفرج عن الصدر، والشفاء من الكرب والهم.
– بيان فضيلة الصبر على الابتلاء، واحتساب الأجر والثواب في ذلك، ويتم توضيح ذلك بالآيات الكريمة والأحاديث النبوية الصحيحة.
– إكسابهم المحافظة على أداء الصلاة في جماعة المسجد، وبيان فوائدها وآثارها. ومن فوائد الصلاة النفسية أنها تبعث في النفس الطمأنينة والهدوء، وتخلص
الإنسان من الشعور بالضيق، وتقضي على الخوف والقلق، وتمد الإنسان بطاقة روحية هائلة تساعده على شفائه من الأمراض البدنية والنفسية.
الجلسة الثالثة:
التدريب على الكلام الطبيعي:
– البداية السلسة: تنفس بهدوء ثم خذ نفسًا أعمق قليلًا وقل (ها)، وبعد خروج كمية صغيرة من الهواء ثم الانتقال التدريجي من الهواء غير المنطوق على (ها ).
– مد الصوت الثاني: مد الصوت الثاني من الحرف الأول من الكلمة الأولى من العبارة، حتى يستطيع تخطي التلعثم الذي يمكن أن يحدث له في بداية الكلام.
– الإعياء: تخيل حالتك كمريض، المريض لا يقوم على بذل أي طاقة، فلا تبذل مجهودًا في كلامك بل الكلام الطبيعي حركات بسيطة وسهلة.
– البطء: يوجهون إلى الالتزام بالبطء في كل أعمالهم الذهنية والعضلية، مما سينعكس على البطء في كلامهم بتوفيق الله تعالى.
الجلسة الرابعة:
– جلسة الاسترخاء وتقوم على مفهوم أن أي استرخاء جسمي يؤدي بشكل آلي إلى خفض حالة القلق والتوتر ،.وفيها يتم تدريب المجموعة أولًا
على تمارين الاسترخاء الموضعي، وحثهم على استمرار التدرب بذلك في المنزل، وهي كالتالي:
1. شفط البطن إلى الخلف والاستمرار في هذا الوضع لمدة 30 ثانية، والعودة إلى الوضع الطبيعي بتكرار 4 مرات.
2. شهيق عميق والاستمرار في الاحتفاظ بالشهيق لمدة 15 ثانية، وزفير بتكرار العملية 4مرات.
3. إرخاء عضلات الرقبة تدريجيًا وترك الرأس ينسدل على الصدر، والاستمرار في هذا الوضع لمدة 30 ثانية، والعودة إلى الوضع الطبيعي بتكرار 4 مرات.
4. الضغط على الأسنان بأقصى قوة والاستمرار في هذا الوضع لمدة 30 ثانية والعودة للوضع العادي بتكرار 4مرات.
5. الضغط على الشفتين بأقصى قوة، والاستمرار في هذا الوضع لمدة 30 ثانية، والعودة للوضع العادي تكرار 4مرات.
6. ثم تدريب المجموعة على «الاسترخاء الشامل»، وحثهم على استمرار التدرب بذلك في المنزل عن طريق:
1. إغماض العنين مع إيقاف العقل عن التفكير خارج الجسد.
2. شهيق وزفير يكرر أربع مرات.
3. إرخاء أعلى الرأس.
4. إرخاء عضلات الوجه وذلك بإرخاء الفك الأسفل.
5. إرخاء عضلات الرقبة.
6. إرخاء الكتفين والذراعين إلى آخر أصابع اليدين.
7. إرخاء الجذع.
8. إرخاء أسفل الجسم إلى آخر أصابع الرجلين.
وبعد تحقيق «الاسترخاء الشامل» يطلب من المجموعة أن يعرضوا على عقولهم موقفًا أدى بهم إلى التلعثم، أو كلمات تلعثموا فيها، على أن يحافظوا على
استمرارية الاسترخاء. وإذا أحسوا بزوال القلق فعليهم أن يوقفوا عملية الاسترخاء ويعودوا للاسترخاء وهكذا.
الجلسة الخامسة:
جلسة التدريب التمثيلي، وتهدف إلى التخفيف من القدر الزائد من المشاعر السلبية كالإحباط المصاحب للتلعثم، وإزالة الحساسية تجاه التلعثم، وفيها
يقوم الطلاب بتمثيل موقف حدث فيه التلعثم، وصاحبه شد وجهد شديد، ثم تعديله إلى لحظات سهلة وبطيئة وخالية من الجهد.
كما يطلب منهم تكرار سلوك التلعثم من إعادة أو تطويل أو انحباس ودون حرج أو ارتباك حتى يتوصلوا إلى فكرة أنهم يستطيعون التحكم بهذه السلوكيات
تطويلاً وتقصيرًا. وهذه الفكرة تخفف من تحسسهم تجاه هذه السلوكيات التي أصبح بإمكانهم التحكم بها.
كما تقوم المجموعة بالإنشاد معًا وبصوت عال لأبيات من الشعر العربي الفصيح.
الجلسة السادسة:
جلسة المواجهة؛ وتهدف إلى تبسيط المشكلة، وتقليل الضغط النفسي والواقع، وتشجيعهم على التواصل مع الناس. وفيها يدرب المتلعثمون
على كل المواقف التي كانوا يتجنبونها، لأن تجنب بعض المواقف مثل الاتصال بالهاتف، أو إلقاء كلمة أمام الزملاء، أو الكلام أمام الناس يزيد التوتر.
– عمل ما لم يكن يفعلونه بسبب وجود التلعثم.
– طرق التخلص من مواقف السخرية والإحراج ونظرات التهكم، مثلًا: لو واجهوا ردود فعل سلبية أن يبقوا هادئين.
– تقليل الخوف من التلعثم وإنهاء السلوكيات الثانوية المصاحبة لمخاوفه وهي:سلوكيات الهرب، سلوكيات البدء في الكلام، سلوكيات
استبدال الكلام، سلوكيات التجنب، الالتفاف حول الكلمات.
جزى الله من كتبه ونفذه خير الجزاء
سبحان الله و بحمده
تعد اللغة من أهم الخصائص التي اختص الله بها الإنسان ليفرده ويميزه عن غيره من سائر المخلوقات، وهي ظاهرة اجتماعية، ووسيلة هامة
من وسائل الاتصال الإنساني. ويعتبر الكلام أحد المظاهر الخارجية للغة، والذي يصدر عن الفرد من خلال أقوال منطوقة أو مكتوبة. وهو
أداة أساسية لبناء الشخصية، وأداة للاستقلال، وأداة لتوسيع دائرة التعامل مع الآخرين.
ويعدّ التلعثم من أكثر اضطرابات النطق والكلام شيوعًا، وهو عبارة عن اضطرابات أو خلل في إيقاع الكلام، يتميز بالترددات والانسدادات والإعادة
والتكرير والإطالة في الأصوات والكلمات، أو في المقاطع الصوتية بصورة لاإرادية. وعادة ما يكون ذلك مصحوبًا بمجاهدة المتلعثم لإطلاق
سراح لسانه، وباضطراب نشاطه الحركي وتوتره العضلي. ويبدو ذلك من خلال ارتجاف الشفتين، وارتعاش الفك ورموش العينين
وجفونهما، ورفع الأكتاف وتحريك الذراعين، إضافة إلى اضطراب عملية التنفس وعدم انتظامها
وقد أشار «كراج» (Craig1990) إلى أن المتلعثمين لديهم مستوى عال من الخوف والقلق، ويكون الخوف والقلق في المواقف الكلامية الملحة، وينتهي بانتهاء الموقف.
ويرى الباحث أن التلعثم ينتشر في الأماكن التي يكون فيها الفرد غير قادر على مسايرة ما حوله بالصورة التي ترضيه سواء كان ذلك
أسريًا أو اجتماعيًا. وكلما زاد القلق والتوتر وعدم الأمان النفسي وانعدام الثقة بالنفس وفق قدرة الفرد على مواجهة
المواقف المختلفة التي يتعرض لها في حياته، كان هناك تلعثم بنسبة معينة قد تزيد وقد تنقص.
علاج التلعثم:
نظرًا لتباين واختلاف النظريات التي تحاول شرح أسباب التلعثم فقد تباينت الأساليب المتبعة في العلاج تبعًا
لاختلاف الإطار النظري الذي تعتمد عليه كل طريقة. ومن تلك الأساليب:
العلاج النفسي:
ومن طرقه:
–العلاج عن طريق الإرشاد:
وذلك بإعطاء المتلعثم مجموعة من الإرشادات تتلخص في أنه يجب عليه أن يتوقف عن التلعثم، وأنه لابد أن يتحكم في كلامه، وأن عليه أن
يركز تفكيره في ذلك، إلى جانب إرشاد الوالدين إلى ضرورة إتاحة الوقت للمتلعثم ليعبر عن نفسه دون ضغط وتشجيعه على الكلام.
–العلاج بالإيحاء والإقناع:
وذلك بأن توجه للمتلعثم عملية الإيحاء والإقناع لتلافي الشعور بالنقص والخوف من الكلام لما قد يتعرض له من خيبة أو خجل
من خلال بيئته الاجتماعية وإقناعه بأنه بريء من أية علة تشريحية أو وظيفية تعوقه عن الكلام.
– العلاج عن طريق الاسترخاء:
تقوم هذه الطريقة على أساس أن التلعثم ينتج من زيادة الضغط على الجهاز العصبي للفرد، ويتم الاسترخاء بطريقة النوم إذ يعتبر إجراء وقائيًا
وعلاجيًا لراحة الجهاز العصبي. وهناك طريقة العلاج بحمامات الماء الدافئ كإحدى طرق العلاج الطبيعي، حيث يتم علاج التوتر العصبي
للعضلات عن طريق حمامات الماء الدافئ والمساج بغرض الوصول لاسترخاء العضلات.
العلاج عن طريق صدى الصوت:
ويتم باستخدام صدى الصوت، عن طريق وضع سماعات على الأذن أثناء كلام المتلعثم، وفي الوقت نفسه يسمع صوتًا آخر (أي صوت).
والغرض من هذا هو عدم سماع المتلعثم لنفسه أثناء الحديث، وبالتالي لن يشعر بأحاسيس الخوف والفشل المصاحبة للتلعثم.
العلاج الجراحي:
في فترة من الفترات انتشر العلاج الجراحي للتلعثم، ففي بعض الأحيان يتم كيّ اللسان،أو قطع العصب المغذي له، أو قطع إحدى العضلات
الخارجية له، وذلك للتقليل من توتر عضلات اللسان المصاحب للعثرات. وفي بعض الأحيان يتم استئصال اللوزتين، وتعتبر هذه الطريقة العلاجية من الوسائل البدائية التي لا أساس لها من الصحة.
العلاج بالصدمات الكهربائية:
وقد استخدم منذ فترة بعيدة نسبيًا، وثبت فشله تمامًا،حيث إن التلعثم لا يكون مصحوبًا بأي إصابة عضوية في عضلات الكلام، والعكس
هو الصحيح. فالمتلعثم يستخدم العضلات المسؤولة عن الكلام بشدة واضحة،.
العلاج بالعقاقير الطبية:
هناك محاولات عديدة لعلاج التلعثم عن طريق العقاقير الطبية كالمهدئات والفيتامينات مثل فيتامين ب6، وذكر عكاشة (1975م)
أن نسبة عالية من المتلعثمين يعانون من شذوذ في رسم المخ، وأنه لا مانع في بعض الأحيان من استخدام العقاقير المضادة للصرع.
العلاج الجماعي:
ويستخدم على نطاق واسع في علاج المتلعثمين الصغار والكبار. ذلك أن المتلعثم في العلاج الجماعي يرى غيره ممن يعانون نفس
أعراض التلعثم (من صعوبة في الكلام وارتعاش الشفاه وغيرها) فيشعر بأنه ليس الشاذ الوحيد في هذا المرض، بل إن كثيرين غيره
يعانون نفس الحالة، مما يخلق جوًّا من المشاركة الوجدانية بين المتلعثمين. كما أن أي تقدم في العلاج لأحدهم يدفع بالآخرين للتنافس
وازدياد الفرص الواقعية للشفاء. وقد استخدم الباحث هذا الأسلوب في تقديم جلسات البرنامج الإرشادي المقدم في هذه الدراسة.
ومن وسائله: العلاج بالسيكودراما Psychodrama ، حيث يستخدم التمثيل كوسيلة أدائية تجمع بين الإسقاط والتنفيس
الانفعالي، وهي عبارة عن تصوير مسرحي وتعبير لفظي حر وتنفيس انفعالي تلقائي .
العلاج البيئي:
ويقصد به دمج المتلعثم في نشاطات اجتماعية وجماعية تدريجيًا حتى يتدرب على الأخذ والعطاء، وتتاح له فرصة التفاعل الاجتماعي وتنمو
شخصيته، وينتفي لديه الخجل والانطواء والانسحاب الاجتماعي، ويتضمن العلاج البيئي الإرشاد الأسري حول الأسلوب الأمثل للتعامل، وتجنب
إجبار المتلعثم على الكلام تحت ضغوط انفعالية وفي مواقف غير مناسبة ومخيفة له، كالطلب منه التحدث أثناء وجود أشخاص غرباء.
العلاج الكلامي: ومن طرقه:
– الاسترخاء الكلامي:
ويستخدم كوسيلة لخفض التوتر ومن ثم انطلاق الكلام. وينصب هنا الاهتمام حول خفض الشعور بالاضطراب والتوتر أثناء الكلام. وإيجاد
ارتباط بين الشعور بالراحة والسهولة عن طريق قراءة الأحرف والكلمات والجمل ببطء وبكل هدوء واسترخاء.
– الكلام الإيقاعي:
يمكن استخدام هذه الطريقة مع جهاز يسمى «المتروتوم» إذ يقوم المتلعثم بتقسيم الكلمة إلى مقاطعها، وبتطبيق كل مقطع مع دقة من دقات الجهاز، مما يؤدي إلى اختفاء العثرات أثناء الكلام
– النطق بالمضغ:
وضع هذه الطريقة «فروشيز»، وهي أن يتعلم المتلعثم التكلم بطلاقة عن طريق القيام بحركات المضغ مقترنة بالكلام، ثم يقلل تدريجيًا نشاط المضغ. وفي النهاية يتخيل نفسه فقط أنه يمضغ.
– الممارسة السلبية:
وتقوم على تكرار الفعل غير المرغوب فيه عدة مرات، إلى حد شعور المريض بالتعب والإرهاق، حتى ينتج عن ذلك درجة عالية من القمع أو المنع كرد فعل معاكس
–التغذية السمعية المتأخرة:
أوضح «وينجيت» أن استخدام تأخير التغذية السمعية المرتدة عن طريق جهاز إلكتروني يوضع في الأذن يؤدي إلى تحسين التلعثم، بسبب البطء في الكلام والإطالة في الأصوات المتحركة.
– العلاج بالتظليل:
وهو عبارة عن نقل ومحاكاة وتقليد لما يقوله المعالج، حيث يطلب فيه من المتلعثم أن يعيد قراءة ما تم الانتهاء من قراءته له بعد سماعه
مباشرة وبفارق زمني يقدر بجزء من الثانية. ويشترط ألا يكون لدى المتلعثم فكرة مسبقة عن مضمون القطعة التي استمع
إليها، وتتم القراءة بالسرعة العادية بحيث لا تتعدى كلمة أو كلمتين (على الأكثر) في الثانية.
ويستخدم هذا العلاج بالاستناد إلى الافتراض الذي يؤكد أن عملية الكلام وإخراج الحروف تشتمل على دائرة مغلقة للتغذية الراجعة السمعية
التي يراقب فيها المتكلم صوته ويصححه من خلالها، ويحدث التلعثم عادة عندما تتأخر عملية التغذية الراجعة فتحدث تكرارات للأصوات والمقاطع
بصورة لا إرادية. وقد استخدم هذا الأسلوب بهدف التدخل في سير عملية التغذية الراجعة، وترتب على ذلك التحسن في عملية التلعثم.
الجلسة الأولى:
–إجراء التعارف بين المرشد والطلاب المعنيين.
– العمل على بناء علاقة إيجابية، وتوفير جو من الألفة والطمأنينة بين الطلاب.
– التعريف باضطرابات الكلام ومفهوم القلق النفسي ومظاهره.
– وضع الطالب المعني تحت المجهر وذلك عن طريق:ملاحظة الطلاب لحالة الشد في العضلات، متابعة مسار الهواء، مراقبة نظر العين، تحديد
الأمور التي يفكر بها، تمييز الأصوات التي تصدر عنه، معرفة الحركات غير العادية.
كما يتم في هذه الجلسة التدريب على تأكيد الذات، وتقوم على أن استجابة تأكيد الذات واستجابة القلق (وهما استجابتان متضادتان) يمكن أن تكف إحداهما
الأخرى، حيث يمكن لاستجابة تأكيد الذات أن تكف استجابة القلق. فاستجابة تأكيد الذات تنمي لدى الفرد الثقة والاعتماد على النفس، وتحمل المسؤولية
والسيطرة على الذات وإبداء الرأي، والمناقشة بمنطق ومعقولية. وقد أكد «سالتر» أنه يمكن التخلص من حالات القلق بواسطة التدريب على تأكيد الذات، حيث
يتم إعادة التركيب المعرفي لدى الفرد، وذلك بواسطة التدليل على عدم عقلانية سلوك القلق من التلعثم .
ومع تكرار تأكيد الذات يتعلم المتلعثمون أن يعبروا عن مشاعرهم بوضوح دون قلق أو خوف، ويعرض كل فرد تجربته مع التلعثم بحرية ودون
خوف أو حرج، ويسمح للآخرين التعليق على ما يقوله زميلهم. والهدف من ذلك إيجاد نوع من التغذية الراجعة لدى كل فرد عن طريق الاستماع إلى غيره ورؤيته له.
الجلسة الثانية:
–إكساب المتلعثمين فضيلة قراءة القرآن الكريم، بعد بيان فوائد تلاوة القرآن الكريم وآثارها في هدوء النفس واطمئنان القلب وانبعاث السكينة.
– تشجيعهم على الدعاء والاستغفار لما في الدعاء من آثار عظيمة في تحصيل الثواب، واطمئنان النفس، والتنفيس عن القلب، والتفرج عن الصدر، والشفاء من الكرب والهم.
– بيان فضيلة الصبر على الابتلاء، واحتساب الأجر والثواب في ذلك، ويتم توضيح ذلك بالآيات الكريمة والأحاديث النبوية الصحيحة.
– إكسابهم المحافظة على أداء الصلاة في جماعة المسجد، وبيان فوائدها وآثارها. ومن فوائد الصلاة النفسية أنها تبعث في النفس الطمأنينة والهدوء، وتخلص
الإنسان من الشعور بالضيق، وتقضي على الخوف والقلق، وتمد الإنسان بطاقة روحية هائلة تساعده على شفائه من الأمراض البدنية والنفسية.
الجلسة الثالثة:
التدريب على الكلام الطبيعي:
– البداية السلسة: تنفس بهدوء ثم خذ نفسًا أعمق قليلًا وقل (ها)، وبعد خروج كمية صغيرة من الهواء ثم الانتقال التدريجي من الهواء غير المنطوق على (ها ).
– مد الصوت الثاني: مد الصوت الثاني من الحرف الأول من الكلمة الأولى من العبارة، حتى يستطيع تخطي التلعثم الذي يمكن أن يحدث له في بداية الكلام.
– الإعياء: تخيل حالتك كمريض، المريض لا يقوم على بذل أي طاقة، فلا تبذل مجهودًا في كلامك بل الكلام الطبيعي حركات بسيطة وسهلة.
– البطء: يوجهون إلى الالتزام بالبطء في كل أعمالهم الذهنية والعضلية، مما سينعكس على البطء في كلامهم بتوفيق الله تعالى.
الجلسة الرابعة:
– جلسة الاسترخاء وتقوم على مفهوم أن أي استرخاء جسمي يؤدي بشكل آلي إلى خفض حالة القلق والتوتر ،.وفيها يتم تدريب المجموعة أولًا
على تمارين الاسترخاء الموضعي، وحثهم على استمرار التدرب بذلك في المنزل، وهي كالتالي:
1. شفط البطن إلى الخلف والاستمرار في هذا الوضع لمدة 30 ثانية، والعودة إلى الوضع الطبيعي بتكرار 4 مرات.
2. شهيق عميق والاستمرار في الاحتفاظ بالشهيق لمدة 15 ثانية، وزفير بتكرار العملية 4مرات.
3. إرخاء عضلات الرقبة تدريجيًا وترك الرأس ينسدل على الصدر، والاستمرار في هذا الوضع لمدة 30 ثانية، والعودة إلى الوضع الطبيعي بتكرار 4 مرات.
4. الضغط على الأسنان بأقصى قوة والاستمرار في هذا الوضع لمدة 30 ثانية والعودة للوضع العادي بتكرار 4مرات.
5. الضغط على الشفتين بأقصى قوة، والاستمرار في هذا الوضع لمدة 30 ثانية، والعودة للوضع العادي تكرار 4مرات.
6. ثم تدريب المجموعة على «الاسترخاء الشامل»، وحثهم على استمرار التدرب بذلك في المنزل عن طريق:
1. إغماض العنين مع إيقاف العقل عن التفكير خارج الجسد.
2. شهيق وزفير يكرر أربع مرات.
3. إرخاء أعلى الرأس.
4. إرخاء عضلات الوجه وذلك بإرخاء الفك الأسفل.
5. إرخاء عضلات الرقبة.
6. إرخاء الكتفين والذراعين إلى آخر أصابع اليدين.
7. إرخاء الجذع.
8. إرخاء أسفل الجسم إلى آخر أصابع الرجلين.
وبعد تحقيق «الاسترخاء الشامل» يطلب من المجموعة أن يعرضوا على عقولهم موقفًا أدى بهم إلى التلعثم، أو كلمات تلعثموا فيها، على أن يحافظوا على
استمرارية الاسترخاء. وإذا أحسوا بزوال القلق فعليهم أن يوقفوا عملية الاسترخاء ويعودوا للاسترخاء وهكذا.
الجلسة الخامسة:
جلسة التدريب التمثيلي، وتهدف إلى التخفيف من القدر الزائد من المشاعر السلبية كالإحباط المصاحب للتلعثم، وإزالة الحساسية تجاه التلعثم، وفيها
يقوم الطلاب بتمثيل موقف حدث فيه التلعثم، وصاحبه شد وجهد شديد، ثم تعديله إلى لحظات سهلة وبطيئة وخالية من الجهد.
كما يطلب منهم تكرار سلوك التلعثم من إعادة أو تطويل أو انحباس ودون حرج أو ارتباك حتى يتوصلوا إلى فكرة أنهم يستطيعون التحكم بهذه السلوكيات
تطويلاً وتقصيرًا. وهذه الفكرة تخفف من تحسسهم تجاه هذه السلوكيات التي أصبح بإمكانهم التحكم بها.
كما تقوم المجموعة بالإنشاد معًا وبصوت عال لأبيات من الشعر العربي الفصيح.
الجلسة السادسة:
جلسة المواجهة؛ وتهدف إلى تبسيط المشكلة، وتقليل الضغط النفسي والواقع، وتشجيعهم على التواصل مع الناس. وفيها يدرب المتلعثمون
على كل المواقف التي كانوا يتجنبونها، لأن تجنب بعض المواقف مثل الاتصال بالهاتف، أو إلقاء كلمة أمام الزملاء، أو الكلام أمام الناس يزيد التوتر.
– عمل ما لم يكن يفعلونه بسبب وجود التلعثم.
– طرق التخلص من مواقف السخرية والإحراج ونظرات التهكم، مثلًا: لو واجهوا ردود فعل سلبية أن يبقوا هادئين.
– تقليل الخوف من التلعثم وإنهاء السلوكيات الثانوية المصاحبة لمخاوفه وهي:سلوكيات الهرب، سلوكيات البدء في الكلام، سلوكيات
استبدال الكلام، سلوكيات التجنب، الالتفاف حول الكلمات.